أصبحت منصة تيليجرام مركزًا رئيسيًا للأنشطة الإجرامية المتعلقة بالعملات المشفرة، حيث تُسهّل عمليات غسيل الأموال وبيع أدوات الاحتيال بمبالغ قياسية. وفقًا لتحليل جديد صادر عن شركة Elliptic لتتبع العملات المشفرة، تجاوز حجم التداول في هذه الأسواق المظلمة 2 مليار دولار شهريًا. هذا التحول يثير تساؤلات حول فعالية الجهود السابقة لمكافحة الجريمة الإلكترونية التي كانت تعتمد بشكل كبير على شبكة تور والأسواق المظلمة التقليدية.
تتركز هذه الأنشطة الإجرامية بشكل خاص في قنوات وحسابات تستهدف المتحدثين باللغة الصينية، وتوفر خدمات متنوعة بدءًا من غسيل الأموال وصولًا إلى بيع بيانات مسروقة وأدوات متطورة للاحتيال، بما في ذلك تقنيات التزييف العميق بالذكاء الاصطناعي. بالإضافة إلى ذلك، تشمل هذه الأسواق خدمات غير قانونية أخرى مثل تأجير الأرحام واستغلال القاصرين.
صعود أسواق العملات المشفرة المظلمة على تيليجرام
على الرغم من أن الأسواق المظلمة للعملات المشفرة ظهرت لأول مرة على شبكة تور قبل أكثر من عقد من الزمان، إلا أن تيليجرام أصبحت الآن المنصة المهيمنة لهذه الأنشطة. يعود هذا الصعود إلى عدة عوامل، بما في ذلك سهولة الاستخدام والانتشار الواسع للمنصة، بالإضافة إلى مرونة القنوات والحسابات التي تسمح للمحتالين بإعادة إطلاق عملياتهم بسرعة حتى بعد حظرها.
الاحتيال المالي وتأثيره
أحد أبرز أشكال الاحتيال التي تزدهر على هذه المنصات هو ما يعرف بـ “ذبح الخنازير” (Pig Butchering)، وهو نوع من عمليات الاحتيال الرومانسية والاستثمارية التي تستهدف ضحايا من الولايات المتحدة بشكل رئيسي. تشير تقديرات مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) إلى أن هذه العمليات الاحتيالية حققت حوالي 10 مليارات دولار سنويًا من الضحايا الأمريكيين وحدهم.
تعمل أسواق مثل Tudou Guarantee و Xinbi Guarantee كبنية تحتية لهذه العمليات، حيث توفر خدمات غسيل الأموال وغيرها من الأدوات اللازمة للمحتالين لتحويل الأموال المسروقة وتجنب الكشف عنها. هذا الدعم المباشر لعمليات الاحتيال الكبيرة ساهم في نمو هذه الأسواق بشكل غير مسبوق.
حجم التداول القياسي
وفقًا لشركة Elliptic، تجاوز حجم التداول في سوق Huione Guarantee، وهو سوق صيني يعتمد على تيليجرام، 27 مليار دولار بين عامي 2021 و 2025. هذا الرقم يفوق بكثير حجم التداول في الأسواق المظلمة السابقة مثل AlphaBay و Hydra.
AlphaBay، الذي كان يعتبر في السابق أكبر سوق للدرجات والبيانات المسروقة وأدوات القرصنة، حقق أكثر من مليار دولار في التداولات خلال فترة وجوده التي استمرت عامين ونصف. Hydra، وهو سوق روسي آخر يقدم خدمات غسيل الأموال، حقق أكثر من 5 مليارات دولار خلال سبع سنوات من التشغيل.
في المقابل، فإن حجم التداول في Huione Guarantee وحده يتجاوز مجموع حجم التداول في هذين السوقين السابقين، مما يؤكد مكانة تيليجرام كمركز رئيسي للأنشطة الإجرامية المتعلقة بالعملات المشفرة.
يقول توم روبنسون، المؤسس المشارك والباحث الرئيسي في Elliptic: “عند النظر في الاستخدام غير القانوني للأصول المشفرة، لا يوجد حاليًا أي شيء أكبر من ذلك”.
هذا التحول يمثل تحديًا جديدًا لجهات إنفاذ القانون، حيث أن طبيعة تيليجرام المفتوحة تجعل من الصعب مراقبة هذه الأنشطة والسيطرة عليها. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام اللغة الصينية في هذه المعاملات يعقد جهود التحقيق ويتطلب تعاونًا دوليًا.
تتضمن الخدمات الأخرى المتوفرة على هذه المنصات بيع أدوات الاحتيال، مثل مواقع الاستثمار المزيفة، بالإضافة إلى خدمات غير قانونية مثل تأجير الأرحام واستغلال القاصرين. هذا التنوع في الخدمات يعكس مدى اتساع نطاق الأنشطة الإجرامية التي تُسهّلها هذه الأسواق.
على الرغم من أن تيليجرام قامت بحظر بعض الأسواق الكبيرة في وقت سابق من عام 2025، إلا أن هذه الإجراءات لم تكن كافية لإيقاف تدفق الأموال غير القانونية. فقد تمكن المحتالون من إعادة إطلاق قنوات وحسابات جديدة بسرعة، مما يدل على قدرتهم على التكيف مع الإجراءات المضادة.
من المتوقع أن تستمر هذه الأسواق في النمو ما لم تتخذ تيليجرام ووكالات إنفاذ القانون إجراءات أكثر فعالية لمكافحة هذه الأنشطة. تشمل الخطوات المحتملة تحسين آليات المراقبة، وزيادة التعاون مع السلطات الدولية، وتطوير تقنيات جديدة للكشف عن المعاملات غير القانونية.
في الوقت الحالي، لا تزال هذه الأسواق تمثل تهديدًا كبيرًا للأمن المالي العالمي، ومن الضروري مراقبة تطوراتها عن كثب. من غير الواضح ما إذا كانت تيليجرام ستتخذ إجراءات أكثر صرامة في المستقبل القريب، ولكن الضغط عليها من قبل وكالات إنفاذ القانون والمنظمات المعنية بمكافحة الجريمة الإلكترونية يتزايد.










