احتفالات عيد الميلاد عادت هذا العام إلى كل من بيت لحم والناصرة، ولكن يشهد هذا الموسم اختلافًا كبيرًا في المدينتين اللتين تقعان في قلب المسيحية – بيت لحم، مسقط رأس يسوع، والناصرة، حيث عاش. يواجه المسيحيون في كلتا المدينتين تحديات مختلفة، مما يسلط الضوء على التغيرات الديموغرافية والسياسية التي تؤثر على وجودهم في المنطقة.
الوضع في بيت لحم: تراجع ديموغرافي وقلق متزايد
في بيت لحم، شهدت الاحتفالات عودة بعد أكثر من عامين من التعطيل، ولكن في ظل تراجع ديموغرافي طويل الأمد وقلق عميق داخل المجتمع المسيحي المحلي. تشير الأرقام إلى أن المسيحيين شكلوا 86٪ من سكان بيت لحم في عام 1950، وفقًا للباحث إياس زرينا من مركز القدس للسياسات التطبيقية. بحلول آخر تعداد فلسطيني في عام 2017، انخفضت نسبتهم إلى حوالي 10٪.
هجرة العائلات المسيحية
أضاف زرينا أنه منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، غادرت ما لا يقل عن 142 عائلة مسيحية منطقة بيت لحم. يعزو ذلك إلى شعورهم بعدم الأمان وانعدام الحماية، خاصةً بعد الأحداث الأخيرة.
وقد أعربت وزارة الخارجية الإسرائيلية عن قلقها إزاء “تزايد العداء تجاه المسيحيين” في المناطق الخاضعة لسلطة الفلسطينيين، مشيرةً إلى حوادث مثل إحراق كنيسة في جنين وإضرام النار في شجرة عيد الميلاد أمام كنيسة أخرى.
الناصرة: ازدهار وتنامي للمجتمع المسيحي
في المقابل، تشهد الناصرة احتفالات واسعة النطاق وواثقة، مدعومة بوجود مسيحي متنامي في إسرائيل. يصف جوش رينشتاين، مدير الكنيست للتحالف المسيحي ورئيس مؤسسة إسرائيل للتحالفات، الوضع في الناصرة بأنه مختلف تمامًا، ويعكس الحوكمة والأمن.
مؤشرات اقتصادية واجتماعية إيجابية
على الرغم من أن المسيحيين يشكلون حوالي 2٪ من سكان إسرائيل، إلا أن المجتمعات المسيحية لديها أعلى نصيب فردي من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة باليهود والمسلمين والدروز، وفقًا لرينشتاين. ويؤكد أنهم يحظون بالاحترام والحماية، ويتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها الجميع.
يشير رينشتاين إلى أن هذا الوضع يختلف بشكل كبير عن مسار بيت لحم منذ اتفاقيات أوسلو في التسعينيات، حيث تضاءل المجتمع المسيحي بشكل كبير بسبب سياسات السلطة الفلسطينية.
الجدل حول دور السلطة الفلسطينية
يرى زرينا أن قرار السلطة الفلسطينية بالسماح بإقامة فعاليات عيد الميلاد هذا العام يجب أن يُنظر إليه في سياقه، حيث تسعى السلطة إلى إعادة تقديم نفسها للرأي العام الدولي، وخاصةً للعالم المسيحي، من خلال العروض الاحتفالية الرمزية. ومع ذلك، يرى أن الأحداث على الأرض تتعارض مع هذه الصورة.
وقد شهدت الأيام التي سبقت عيد الميلاد عدة حوادث استهدفت المسيحيين، بما في ذلك التهديدات التي وجهت للكنائس والاعتداءات العنيفة المتعلقة بنزاعات الأراضي. ويتهم زرينا السلطة الفلسطينية إما بعدم القدرة أو عدم الرغبة في إنفاذ سيادة القانون وحماية الأقلية المسيحية.
رسالة رئيس الوزراء نتنياهو
في رسالته بمناسبة عيد الميلاد، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل دولة تهتم بسكانها المسيحيين، وتسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية بحرية كاملة. وأضاف أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي ترحب بالحجاج المسيحيين وتعتز بهم.
مستقبل المسيحيين في المنطقة
تظهر البيانات الديموغرافية الصادرة عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن حوالي 184,200 مسيحي يعيشون في إسرائيل اعتبارًا من ليلة عيد الميلاد 2024، ويمثلون حوالي 1.9٪ من السكان. شهد عدد المسيحيين نموًا بنسبة 0.7٪ في عام 2024، مما يجعل إسرائيل واحدة من الدول القليلة في الشرق الأوسط التي يشهد فيها المجتمع المسيحي نموًا.
الوضع في الناصرة والبيت لحم يعكس واقعًا أعمق. في حين أن المسيحيين يزدهرون في الناصرة تحت الحكم الإسرائيلي، فإن عدد المسيحيين في بيت لحم، تحت سلطة الفلسطينيين، يتناقص منذ سنوات.
مع انتهاء الاحتفالات، يبقى السؤال حول ما إذا كانت الانتباه الدولي ستتلاشى، أو ما إذا كانت ستترجم إلى حماية دائمة لواحدة من أقدم المجتمعات المسيحية في العالم. من المتوقع أن تستمر المراقبة الدولية للوضع في كلتا المدينتين، مع التركيز على التطورات الديموغرافية والسياسية التي تؤثر على مستقبل المسيحيين في المنطقة.










