على وقع المعارك في أوكرانيا، تهتز أركان النظام العالمي القائم منذ نهاية الحرب الباردة، وتظهر توقعات بتغيرات كبرى في التحالفات الدولية، كما حدث إثر حروب كبرى سابقة، فلمن ستكون اليد العليا في العالم؟
فبعد اندلاع هذه الحرب بدأت روسيا تطالب بنظام عالمي تعددي، فيما تريد أميركا وضع نظام جديد بمعاييرها وقيادتها، وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل التدخل الروسي في أوكرانيا قد جاهر برؤية مفادها أن العالم يشهد نهاية الهيمنة الغربية، وأكدها من بعده توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق ومفكرون وساسة غربيون.
وأجمع مراقبون كثر على أن الحرب الأوكرانية تمثل نقطة تحول، تنبئ بتغييرات عالمية كبرى، كما حدث إثر حروب كبرى سابقة، فقد جعلت الغرب أكثر اتحادا، لكنها أوضحت أنه بات أقل نفوذا في العالم، فلم تسايره مواقفه تجاه روسيا قوى كبرى حتى من المحسوبة في صف الحلفاء.
ورصد برنامج “للقصة بقية” في حلقته “الحروب بوابة النظم العالمية” صياغة الحروب بين القوى الكبرى للنظم العالمية على مدى قرنين من الزمان، واستقرأ مع خبراء ومفكرين التطورات العالمية بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية خلال القرن الماضي، وبعد انتهاء الحرب الباردة، ومآلات الوضع العالمي الراهن.
من يحكم العالم؟
وبهذا الصدد، رأى أستاذ الدراسات الأمنية والإستراتيجية في معهد الدوحة للدراسات العليا عمر عاشور أن نتيجة حرب روسيا على أوكرانيا ليست واضحة حتى الآن، معتبرا أن الصمود الأوكراني ألهم جميع الدول، حيث صارت قوة ديمقراطية في شرق أوروبا تهاجم وتقتطع أراضيها ولكنها تقف وتصمد أمام قوة عسكرية كبيرة، فهذه القوة ألهمت دول العالم، حيث انتقل الناتو من الموت السريري إلى حال أخرى وضم قوى بحجم فنلندا والسويد.
وأشار إلى أن الصين تمثل قوة صاعدة على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري كذلك، متوقعا أن يكون لبكين بعض النفوذ الخارجي فيما يتعلق بمصالحها ومواردها الخاصة، ولكن تركيزها سيكون على محيطها الخاص بها، ولن تلعب الدور الذي تقوم به أميركا في العالم، على حد رأيه.
من جهته، اعتبر ماركو ويس أستاذ التاريخ الدولي والأمن ومدير مركز الحرب والدبلوماسية بجامعة لانكستر أن ما يجري في أوكرانيا أدى إلى تسريع وتيرة بعض التطورات السياسية في العالم، مشيرا إلى أن روسيا تشعر بعدم الرضا في مرحلة بعد الحرب الباردة، حيث لم تقبل النظام العالمي الجديد الذي تقلص فيه دورها بشكل تدريجي.
ورأى أن دول الناتو وجدت نفسها في صعوبات جمة لمعرفة الأولويات الأمنية التي يجب عليها الاهتمام بها، فكانت حرب روسيا على أوكرانيا فرصة لإعادة صياغة الناتو وإعادة تحديد أولوياته من خلال تقديم الدعم لأوكرانيا، مشيرا إلى أن جهود الدول الأوروبية والغربية أصبحت تتم بشكل موحد على عكس الفترة السابقة التي كانت تشوبها بعض الاختلافات.