أجابت دار الافتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:”من أحرمَ بعمرة تطوعًا، يلزمه الاستمرار فيها وإكمالها، فإن أصابه مرض يمنعه من إتمامها -كما في واقعة السؤال- فيجوز له التحلل منها وإنْ لم يشترطه وقت الإحرام، ويجب عليه الهدي وهو شاة تذبح في الحرم، ويجزئ عنه شراء صك الهدي الذي تعلن عنه الجهات الرسميَّة المختصَّة بهذا الشأن والتي هي وكيلة عنه في الشراء والذبح في مكة المكرمة، فإن عجز عن ذلك صام عشرة أيام، ويلزمه قضاء العمرة فيما بعد.
اشتراط التحلل من العمرة عند التلبية بالإحرام بها
لترد دار الإفتاء المصرية، موضحة أن العمرة: قصد البيت الحرام للنسك، وتلزمُ بالإحرام بها ما لم يشترط المحرم التحلل منها إذا حبسه حابس أو يمنعه إحصار، ومن صور الإحرام: الإحرام قبل الميقات، كإحرام الإنسان من بيته، فإنه يصح ويكون محرِمًا بالنسك وذلك بإجماع الفقهاء، قال العلامة ابن المنذر في “الإجماع” (ص: 61، ط. مكتبة الفرقان، ومكتبة مكة الثقافية): [وأجمعوا على أنَّ مَن أحرم قبل الميقات، أنه مُحرِم] اهـ.
وأما اشتراط التحلل فمعناه: أن ينوي المُحْرِم مشترطًا عند التلبية بالإحرام أن يتحلل مطلقًا، أو يتحلل بالعمرة إن كان حاجًّا في حال حَبَسَه عذرٌ معينٌ يخشى حصوله كالمرض أو انقطاع النفقة أو غير ذلك، أو في حال حَبَسه أيُّ عذرٍ معتبرٍ شرعًا دون تحديد لشيء بعينه، وذلك كأن يقول: “إن مرضتُ فقد أحلَلْتُ”، أو “إن أصابني عذرٌ أو حبسني حابسٌ فقد أحلَلْتُ” فيخرج عند تحقق الشرط من إحرامه دون أن يلزمه فدية عند من يقول بأن للاشتراط أثرًا في عدم وجوب الفدية، كما في “الحاوي الكبير” للإمام الماوردي (4/ 360، ط. دار الكتب العلمية)، و”متن الخِرَقِي على مذهب الإمام أحمد” للعلامة الخِرَقِي (ص: 54، ط. دار الصحابة للتراث).
أما الإحصار فقد اختلف الفقهاء في ضابطه على مذهبين:
الأول: أنه ما يمنع عن المضي حسًّا أو شرعًا في موجب الإحرام على وجه لا يمكن المحرم الدفع، فيدخل فيه حصر العدو، والمرض الذي لا يمكنه معه الذهاب لتأدية بقية النسك، وكذلك فقد النفقة اللازمة لتأدية النسك. وهو مذهب الحنفية ورواية عن الإمام أحمد.
قال العلامة الكاساني الحنفي في “بدائع الصنائع” (2/ 175، ط. دار الكتب العلمية): [والإحصار هو: المنع، وفي عرف الشرع هو: اسم لمن أحرم ثم منع عن المضي في موجب الإحرام، سواء كان المنع من العدو، أو المرض، أو الحبس، أو الكسر، أو العرج، وغيرها من الموانع، من إتمام ما أحرم به حقيقة أو شرعًا، وهذا قول أصحابنا] اهـ.
وقال العلامة ابن قُدامة الحنبلي في “المغني” (3/ 331، ط. مكتبة القاهرة): [(وإن منع من الوصول إلى البيت بمرض، أو ذهاب نفقة، بعث بهدي إن كان معه، ليذبحه بمكة، وكان على إحرامه حتى يقدر على البيت) المشهور في المذهب أن من يتعذر عليه الوصول إلى البيت بغير حصر العدو، من مرض، أو عرج، أو ذهاب نفقة، ونحوه، أنه لا يجوز له التحلل بذلك… وعن أحمد رواية أخرى: له التحلل بذلك] اهـ.
الثاني: أنه ما يزول بالتحلل على الفور كإحصار العدو، أما ما لا يزول بالتحلل على الفور كالمرض ونحوه فلا يعد صاحبه محصرًا؛ لأن التحلل لا يزيله من فوره. وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية، وهو المشهور عند الحنابلة، وهو المروي عن ابن عمر، وابن عباس، ومروان، وإسحاق.
قال الإمام القرافي المالكي في “الذخيرة” (3/ 190، ط. دار الغرب الإسلامي): [المرض ليس عذرًا للتحلل إذا طرأ على الإحرام بخلاف العدو عند مالك] اهـ.
وقال العلَّامة الخطيب الشربيني الشافعي في “مغني المحتاج” (2/ 315، ط. دار الكتب العلمية): [(ولا تحلل بالمرض) ونحوه كضلال طريق، وفقد نفقة؛ لأنه لا يفيد زوال المرض ونحوه، بخلاف التحلل بالإحصار، بل يصبر حتى يزول عذره، فإن كان محرمًا بعمرة أتمها، أو بحج وفَاتَه، تحلَّلَ بعمل عمرة] اهـ.
وقال العلَّامة ابن قُدامة الحنبلي في “المغني” (3/ 331): [المشهور في المذهب أن من يتعذر عليه الوصول إلى البيت بغير حصر العدو، من مرض، أو عرج، أو ذهاب نفقة، ونحوه، أنه لا يجوز له التحلل بذلك، روي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، ومروان، وبه قال مالك، والشافعي، وإسحاق] اهـ.
حكم التحلل من الإحرام بالعمرة قبل الشروع فيها بسبب كسر في إحدى القدمين
يستفاد من ذلك: أنَّ من أحرم تطوعًا بعمرة ثانية بعد أن أدى عمرة سابقة له، ثم مرض مرضًا يمنعه من الذهاب لأداء العمرة وإكمالها، ولم يكن قد اشترط التحلل إذا أصابه مرض مانع من الإكمال -كما هي صورة السؤال- يجوز له التحلل من الإحرام كما هو قول الحنفية والإمام أحمد في رواية، خلافًا للمالكية والشافعية والحنابلة في المشهور الذين ذهبوا إلى عدم جواز تحلله، وأنه يبقى على إحرامه إلى أن يتمكن من أداء العمرة في يوم من الأيام.
والمختار هو ما ذهب إليه الحنفية والإمام أحمد في إحدى الروايتين من جواز التحلل بالمرض تيسيرًا ورفعًا للحرج؛ إذ في إبقاء المحرم على إحرامه مشقة لا تخفى، خاصة إذا طال مرض؛ إذ الشريعة مبناها التيسير ورفع الحرج، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر﴾ [البقرة: 185]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الدِّين يُسْر» أخرجه البخاري وغيره، و”من ابتلي بشيء من المختلف فيه فليقلد من أجاز”.
وإذا تقرر جواز تحلل المحرم بسبب المرض الذي ألمَّ به ومنعه من إتمام عمرة التطوع، فإنه يلزمه الهدي، وهو شاة تذبح في الحرم كما هو قول الحنفية، أو حيث مُنع المريض كما هو قول الحنابلة، ويجزئ عن ذلك شراء صك الهدي الذي تعلن عنه الجهات الرسميَّة المختصَّة بهذا الشأن ليتم الشراء والذبح نيابةً عن المحرِم في مكة المكرمة، فإن عجز المريض عن الهدي صام عشرة أيام.
قال العلامة ابن مودود الموصلي الحنفي في “الاختيار لتعليل المختار” (1/ 168-169، ط. مطبعة الحلبي): [(المحرم إذا أُحصر بعدو أو مرض أو عدم محرم أو ضياع نفقة، يبعث شاة تذبح عنه في الحرم، أو ثمنها ليشترى بها ثم يتحلل)، والأصل في ذلك قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196] والنبي عليه الصلاة والسلام أحصر هو وأصحابه عام الحديبية حين أحرموا معتمرين فصدهم المشركون عن البيت، فصالحهم عليه الصلاة والسلام وذبح الهدي وتحلل ثم قضى العمرة من قابل.. وقوله: (في الحرم) إشارة إلى أنه لا يجوز خارج الحرم] اهـ.
وقال العلامة البُهُوتي الحنبلي في “شرح منتهى الإرادات” (1/ 599، ط. عالم الكتب): [(ومن منع البيت) أي الوصول للحرم… (أو) كان المنع (في) إحرام (عمرة ذبح هديًا بنية التحلل وجوبًا) لقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: 196] «ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه حين أحصروا في الحديبية أن ينحروا ويحلقوا ويحلوا»… وإذا لم يجد هديًا (صام عشرة أيام بالنية) أي نية التحلل؛ قياسًا على المتمتع (وحلَّ) نصًّا] اهـ.
وقال العلامة المَرْدَاوي الحنبلي في “الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف” (3/ 534، ط. دار إحياء التراث العربي): [(ودم الإحصار يجزئه حيث أحصر) هذا المذهب، نص عليه، وعليه الأصحاب] اهـ.
حكم قضاء العمرة إذا تحلل المحرم بسبب المرض ومنعه من إتمامها
مع القول بجواز التحلل بسبب المرض الذي ألمَّ بالمحرم ووجوب الهدي عليه، ذهب الحنفية والحنابلة في إحدى الروايتين إلى وجوب قضاء هذه العمرة التطوعية؛ وذلك لما تقرر عندهم من أنَّ النفل يلزم بالشروع فيه، ولـمَّا لم يكمله فقد وجب قضاؤه، بينما ذهب الحنابلة في الرواية الثانية إلى عدم وجوب القضاء؛ قياسًا على سائر التطوعات التي لا يلزم قضاؤها إذا قُطعت.
قال الإمام الكاساني الحنفي في “بدائع الصنائع” (2/ 182): [وإن كان إحرامه بالعمرة لا غير قضاها لوجوبها بالشروع في أي وقت شاء؛ لأنه ليس لها وقت] اهـ.
وقال العلامة ابن مُفْلِح الحنبلي في “المبدع شرح المقنع” (3/ 243-244، ط. دار الكتب العلمية) فيما يلزم المُحْصَر: [(ولا قضاء عليه) إذا كان نفلًا؛ لأن الأحاديث الواردة دالة على أن الحج مرة واحدة، فلو وجب قضاء النافلة، كان الحج أكثر من مرة، ولأنها تطوع فلم يلزمه قضاؤها كسائر التطوعات (إلا أن يكون فرضًا) فيجب قضاؤه بغير خلاف.. (وعنه: عليه القضاء)، اختاره الخِرَقي، وجزم به في “الوجيز”، قال في “الفروع”: والمذهب لزوم قضاء النفل كالإفساد، وهو قول جماعة من الصحابة، ولأنه يلزم بالشروع، فيصير كالمنذور] اهـ.
والمختار هو وجوب القضاء؛ إذ الأصل وجوب إتمام العمرة وعدم الخروج منها، قال تعالى: ﴿وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196]، ولمـَّا أجيز للمريض التحلل كان مراعاة لحاله ومرضه الذي ألمَّ به، و”الضرورة تقدر بقدرها”، فإذا زال العذر تعين الذهاب للإتيان بذلك النسك الذي قُطع.
الخلاصة
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن من أحرمَ بعمرة تطوعًا، يلزمه الاستمرار فيها وإكمالها، فإن أصابه مرض يمنعه من إتمامها فيجوز له التحلل منها وإنْ لم يشترطه وقت الإحرام، ويجب عليه الهدي وهو شاة تذبح في الحرم، ويجزئ عنه شراء صك الهدي الذي تعلن عنه الجهات الرسميَّة المختصَّة بهذا الشأن والتي هي وكيلة عنه في الشراء والذبح في مكة المكرمة، ويلزمه القضاء، ومن ثمَّ فإنه يجوز لصديقك أن يتحلل من إحرامه بالعمرة التطوعية ولا حرج في ذلك؛ نظرًا لانكسار رجله وعدم قدرته على إتمام العمرة، ويجب عليه ذبح شاة في الحرم، ويجزئ عنه شراء صك الهدي، فإن عجز عن ذلك صام عشرة أيام، ويلزمه قضاء العمرة فيما بعد.