أصبح **الاحتراق النفسي** ظاهرة متزايدة الانتشار في المجتمعات الحديثة، حيث يعاني الأفراد من إرهاق شديد على المستويات الجسدية والنفسية والعاطفية نتيجة للضغوط المتراكمة في الحياة العملية والشخصية. تشير الإحصائيات الحديثة إلى ارتفاع معدلات الإصابة به، خاصةً بين العاملين في مهن تتطلب جهداً ذهنياً وعاطفياً كبيراً. هذا المقال يستعرض أسباب الاحتراق النفسي، أعراضه، وكيفية التعامل معه.
تزايدت التقارير حول حالات **الاحتراق النفسي** في مختلف أنحاء العالم العربي، خاصةً بعد جائحة كوفيد-19 وما صاحبها من تغييرات في أنماط العمل والحياة. تظهر هذه المشكلة بشكل خاص في المدن الكبرى والمناطق التي تشهد وتيرة حياة سريعة وضغوطاً اقتصادية واجتماعية عالية. تعتبر المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات من بين الدول التي تشهد اهتماماً متزايداً بهذا الموضوع.
ما هو الاحتراق النفسي وأسبابه؟
الاحتراق النفسي ليس مجرد شعور بالتعب أو الإرهاق، بل هو حالة من الاستنزاف العاطفي والجسدي والنفسي ناتجة عن التعرض المستمر للضغوط المزمنة. وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعتبر الاحتراق النفسي نتيجة لضغوط غير مُدارة في مكان العمل، ولكنه يمكن أن يحدث أيضاً بسبب ضغوط الحياة الشخصية.
أسباب الاحتراق النفسي
هناك عدة عوامل تساهم في ظهور **الاحتراق النفسي**. من أهمها:
العمل المفرط: ساعات العمل الطويلة، والمهام المتزايدة، وعدم وجود وقت كافٍ للراحة والاسترخاء.
نقص التحكم: الشعور بعدم القدرة على التحكم في المهام أو القرارات المتعلقة بالعمل أو الحياة الشخصية.
عدم التقدير: عدم الحصول على التقدير أو المكافأة المناسبة للجهود المبذولة.
العلاقات المتوترة: وجود علاقات غير صحية أو متوترة في العمل أو في الحياة الشخصية.
التوقعات غير الواقعية: وضع توقعات عالية جداً للنفس أو للآخرين.
أعراض الاحتراق النفسي
تتنوع أعراض **الاحتراق النفسي** وتختلف من شخص لآخر. تشمل الأعراض الشائعة:
الإرهاق الشديد: الشعور بالتعب والإرهاق المستمر، حتى بعد الحصول على قسط كافٍ من النوم.
اللامبالاة: فقدان الاهتمام بالعمل أو بالأنشطة التي كانت ممتعة في السابق.
التهيج: الشعور بالتهيج والغضب بسهولة.
صعوبة التركيز: مواجهة صعوبة في التركيز واتخاذ القرارات.
الأعراض الجسدية: ظهور أعراض جسدية مثل الصداع، وآلام العضلات، واضطرابات الجهاز الهضمي.
التغيرات في النوم: صعوبة في النوم أو النوم المفرط.
التعامل مع الاحتراق النفسي والوقاية منه
يتطلب التعامل مع **الاحتراق النفسي** اتباع نهج شامل يتضمن تغييرات في نمط الحياة والعمل. من أهم الاستراتيجيات:
تحديد مصادر الضغط: تحديد العوامل التي تسبب الضغط والعمل على تقليلها أو التخلص منها.
وضع حدود: تعلم قول “لا” للمهام أو الالتزامات التي لا يمكن تحملها.
تخصيص وقت للراحة والاسترخاء: ممارسة الأنشطة التي تساعد على الاسترخاء وتجديد الطاقة، مثل القراءة، أو ممارسة الرياضة، أو قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء.
طلب الدعم: التحدث مع الأصدقاء، أو العائلة، أو معالج نفسي للحصول على الدعم والمساعدة.
ممارسة تقنيات إدارة الإجهاد: تعلم تقنيات إدارة الإجهاد، مثل التأمل، أو اليوجا، أو التنفس العميق.
تحسين نمط الحياة: اتباع نظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة بانتظام، والحصول على قسط كافٍ من النوم.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشركات والمؤسسات أن تلعب دوراً هاماً في الوقاية من **الاحتراق النفسي** بين موظفيها من خلال توفير بيئة عمل صحية وداعمة، وتقديم برامج تدريبية حول إدارة الإجهاد، وتشجيع الموظفين على أخذ إجازات منتظمة. تعتبر الصحة النفسية جزءاً لا يتجزأ من الصحة العامة، والاستثمار فيها يعود بالفائدة على الفرد والمجتمع.
تتزايد الجهود في العديد من الدول العربية لرفع الوعي بمخاطر الاحتراق النفسي وتوفير خدمات الدعم النفسي للمتضررين. أعلنت وزارة الصحة في مصر عن خطة لتوسيع نطاق خدمات الصحة النفسية في المستشفيات والمراكز الصحية بحلول نهاية عام 2026. وفي المملكة العربية السعودية، أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مبادرة لتدريب المديرين والموظفين على كيفية التعرف على أعراض الاحتراق النفسي والتعامل معه.
من المتوقع أن يستمر الاهتمام بموضوع الاحتراق النفسي في التصاعد خلال الفترة القادمة، مع تزايد الضغوط الحياتية وتغير أنماط العمل. سيتم التركيز على تطوير أدوات قياس أكثر دقة لتقييم مستويات الاحتراق النفسي، وتقديم تدخلات علاجية فعالة، وتعزيز الوعي بأهمية الصحة النفسية في المجتمع. يبقى التحدي الأكبر هو الوصول إلى الفئات الأكثر عرضة للخطر وتوفير الدعم اللازم لهم.









