قدم رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، يوم الاثنين، مقترحًا أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية المستمرة في البلاد منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، والتي خلقت الأسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث نزح حوالي 14 مليون شخص. وتسعى هذه الجهود إلى تحقيق السلام في السودان، ووقف المعاناة المتزايدة للمدنيين.
انزلق السودان إلى حرب أهلية في أبريل 2023 بعد صراع على السلطة بين قائد القوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، ورئيس قوات الدعم السريع، محمد حمدان “هميدتي” دقلو. وتتركز المعارك بشكل خاص في مناطق دارفور وكردفان، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية.
خطة إدريس للسلام في السودان
تتضمن خطة إدريس، التي قدمها لمجلس الأمن، اقتراحًا بوقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء السودان، تحت إشراف الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية. ويهدف هذا الوقف إلى السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.
كما تقترح الخطة انسحابًا كاملاً لقوات الدعم السريع من المناطق التي تسيطر عليها. ويشمل ذلك معظم مناطق دارفور وكردفان، حيث تسيطر قوات الدعم السريع وحلفاؤها على حوالي 40% من أراضي السودان، وفقًا لتحليلات الجهات المعنية.
سيطرة الأطراف المتنازعة على الأرض
في المقابل، تسيطر القوات المسلحة السودانية على 60% المتبقية من البلاد، بما في ذلك العاصمة الخرطوم، والولايات الشرقية، وأجزاء من وسط السودان. وتحتفظ القوات المسلحة أيضًا بالتفوق الجوي. وقد أعلنت القوات المسلحة مؤخرًا عن استعادة السيطرة على بلدة جنوب غرب مدينة الرهاد في ولاية كردفان الشمالية.
وتنص خطة إدريس على نقل أعضاء قوات الدعم السريع إلى معسكرات بعد انسحابهم، حيث سيتم فحصهم. وتهدف الخطة إلى إعادة دمج المقاتلين الذين لم يتورطوا في جرائم حرب في المجتمع.
بالإضافة إلى ذلك، تعهد إدريس بإجراء انتخابات حرة بعد فترة انتقالية تهدف إلى تعزيز الحوار السوداني الداخلي. وأكد أن الهدف ليس الانتصار في الحرب، بل إنهاء “دورة العنف” التي ابتليت بها السودان لعقود.
رد فعل قوات الدعم السريع
أعلن المستشار الإعلامي لقائد قوات الدعم السريع، الباشا تبيق، رفض قوات الدعم السريع لخطة إدريس للسلام. ووصف تبيق الخطة بأنها “مجرد إعادة تدوير لخطاب استبعادي قديم” لا يختلف عن موقف القوات المسلحة السودانية.
واعتبر تبيق أن فكرة انسحاب قوات الدعم السريع من المناطق التي تسيطر عليها هي “أقرب إلى الخيال منها إلى السياسة”.
موقف الرباعية
في الوقت نفسه، تدعم الرباعية (الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة) خطة هدنة بديلة. ودعت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، جيفري بارتوس، قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية إلى قبول هذه الخطة دون شروط مسبقة.
وقد أصدرت الرباعية في سبتمبر بيانًا تدعو فيه إلى هدنة فورية لمدة ثلاثة أشهر كخطوة نحو وقف دائم لإطلاق النار، وتحسين الوصول الإنساني، وإطلاق عملية سياسية للتحول بقيادة المدنيين. وأعلنت قوات الدعم السريع في أوائل نوفمبر أنها قبلت خطة الرباعية، لكن القتال استمر.
وأشار إدريس إلى أن خطته للسلام “صُنعت في الداخل” وليست “مفروضة علينا”، في إشارة ضمنية إلى خطط الهدنة التي تدعمها الرباعية.
تحليلات الخبراء
يرى الباحث في مركز العلاقات الدولية السياسية بالخرطوم، الرشيد محمد إبراهيم، أن الجديد في الرسالة هو رؤيتها الواضحة وإعادة صياغة الصراع في السودان على أنه عمل عدواني. ويؤكد على أهمية هذه الرؤية في توجيه الجهود الدبلوماسية.
من جانبه، قال المحلل السياسي فيصل عبد الكريم، إن أي مبادرة للنجاح يجب أن تقبلها الأطراف المتنازعة، وخاصة قوات الدعم السريع. وأضاف أن الخطة تحتاج أيضًا إلى دعم القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في المشهد السوداني. ويشير إلى أن بعض جوانب الخطة معقولة، بينما البعض الآخر يثير تساؤلات.
الوضع الإنساني المتدهور
تفاقم الوضع الإنساني في السودان بشكل كبير مع استمرار القتال. وقد أدى التصعيد حول الفاشر، بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها في أكتوبر بعد حصار دام 18 شهرًا، إلى قطع الإمدادات الغذائية والطبية عن السكان. وقد اتُهمت قوات الدعم السريع بارتكاب عمليات قتل جماعي واختطاف وأعمال عنف جنسي واسعة النطاق خلال سيطرتها على المدينة.
وفي هذا السياق، أفادت التقارير بأن 1700 شخص فروا إلى ولاية النيل الأبيض، شرق كردفان، متجهين إلى مدينة كوستي. وتواجه كوستي صعوبات كبيرة في توفير الموارد الأساسية للاجئين والنازحين، حيث تستضيف بالفعل حوالي مليوني لاجئ ونازح.
وتشير التقديرات إلى أن 21 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء، في ما وصفته الأمم المتحدة بأنه “الأسوأ أزمة إنسانية في العالم”.
من المتوقع أن يستمر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في مناقشة مقترحات السلام المختلفة، مع التركيز على إيجاد حلول عملية لوقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. وسيكون من الضروري مراقبة ردود فعل الأطراف المتنازعة، وخاصة قوات الدعم السريع، وموقف الرباعية، لتحديد المسار المحتمل للأزمة في السودان.









