انتقد كريستوفر لاندو، نائب وزير الخارجية الأميركي، حلفاء الناتو الأوروبيين، مُحمّلاً إياهم مسؤولية إعطاء الأولوية لشركاتهم الدفاعية على حساب الموردين الأميركيين. جاء هذا الانتقاد في ظلّ سعي أوروبي متزايد لتعزيز صناعة الدفاع الأوروبية، التي تعاني من تأخر كبير، وتصاعد المخاوف من احتمال تصعيد التوترات مع روسيا بحلول نهاية العقد الحالي. ويسلط هذا الموقف الضوء على التوترات التجارية والأمنية المستمرة بين الولايات المتحدة وأوروبا.
وقعت هذه التصريحات خلال اجتماع وزراء خارجية الناتو الأربعاء الماضي، والذي لم يحضره وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. ووفقًا لتقارير، حثّ لاندو، المعروف بتشكيكه في حلف الناتو، وزراء الحلف على عدم تقييد وصول شركات الدفاع الأمريكية إلى السوق الأوروبية المتنامية.
تصاعد التوتر حول الإنفاق الدفاعي
أكد مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية أن لاندو وجّه رسالتين رئيسيتين. الأولى تتعلق بضرورة تحويل التزامات الإنفاق الدفاعي الأوروبية إلى قدرات عسكرية فعلية. والثانية حول أن السياسات الحمائية التي تستبعد الشركات الأمريكية تقوض الدفاع الجماعي للحلف.
لقد تعهد حلف الناتو بزيادة الإنفاق الدفاعي ليصل إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035. وفي المقابل، يخصص الاتحاد الأوروبي 150 مليار يورو لتمويل مشتريات دفاعية مشتركة، مع التركيز على دعم الصناعات الأوروبية وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية. وهذا التوجه تحديدًا هو ما أثار انتقادات الإدارة الأمريكية.
انتقادات أمريكية سابقة
لا يمثل انتقاد لاندو حادثة معزولة، بل هو جزء من سلسلة طويلة من الانتقادات الموجهة من قبل الإدارة الأميركية لشركائها الأوروبيين. وتشمل هذه الانتقادات الضغوط التجارية على الاتحاد الأوروبي، والتحذيرات من عدم المساواة في أعباء الدفاع، والتي تعود إلى فترة رئاسة دونالد ترامب الذي انتقد مراراً “المعاملة غير العادلة” من قبل أوروبا.
من ناحية أخرى، يرى بعض المسؤولين الأوروبيين أن هذه المطالب الأمريكية بمثابة “ابتزاز” لتمرير أجندة تجارية أمريكية.
تأتي تصريحات لاندو في الوقت الذي أعلنت فيه دول أوروبية مثل ألمانيا وبولندا عن تبرعات كبيرة لمشاريع تدعمها الناتو، وتستفيد منها شركات الدفاع الأمريكية لتزويد أوكرانيا بالأسلحة. فقد أعلن الأمين العام لحلف الناتو مارك روته عن تعهدات أوروبية وكندية بقيمة 4 مليارات دولار لتمويل هذه الخطة.
الشركات الأمريكية تتنافس في السوق الأوروبية
تسعى شركات الدفاع الأمريكية جاهدةً إلى تعزيز شراكاتها مع الشركات الأوروبية، وذلك بهدف ضمان عدم استبعادها من الزيادة الكبيرة في الإنفاق العسكري المتوقع في أوروبا. تعتبر هذه الشركات أن الحرب في أوكرانيا والضغوط المتزايدة لزيادة مساهمة أوروبا في أمنها تمثل فرصة استراتيجية لا يجب تفويتها.
وتعتمد شركات الدفاع الأمريكية بشكل كبير على السوق الأوروبية، حيث تُمثل جزءًا هامًا من إيراداتها السنوية. على سبيل المثال، شكلت السوق الأوروبية حوالي 11% من إيرادات كل من “لوكهيد مارتن” و RTX في عام 2024. وتتمتع “لوكهيد مارتن” بوجود قوي في أوروبا من خلال بيع مقاتلات F-35، بينما تهيمن صواريخ “باتريوت” من RTX على سوق الدفاع الجوي الأوروبي.
وتخطط “لوكهيد مارتن” لإنشاء خطوط إنتاج صواريخ في أوروبا بالتعاون مع شركة “راينميتال” الألمانية. كما أنشأ مشروع مشترك بين “رايثيون” و MBDA الأوروبية لتصنيع صواريخ “باتريوت” داخل ألمانيا.
هيمنة أمريكية متزايدة على سوق الأسلحة
تسيطر الشركات الأمريكية على حصة كبيرة من سوق الأسلحة العالمية، حيث استحوذت على 43% من الصادرات العالمية في السنوات الخمس الماضية، مقارنة بـ 35% في السنوات الخمس التي سبقتها. كما زادت واردات الأسلحة الأوروبية بأكثر من الضعف خلال نفس الفترة، حيث جاء حوالي ثلثي هذه الواردات من الولايات المتحدة.
تشير البيانات إلى أن 13 دولة أوروبية قد اشترت أو طلبت مقاتلات F-35 الأمريكية، بالإضافة إلى تعزيز مخزونها من أنظمة الدفاع الجوي “باتريوت” وصواريخ “هيمارس” وغيرها من المعدات الأمريكية.
آفاق مستقبلية لقطاع الدفاع الأوروبي
شهد قطاع الدفاع الأوروبي نموًا ملحوظًا بنسبة 13.8% في عام 2024، ليصل إجمالي الإيرادات إلى 183.4 مليار يورو (حوالي 213 مليار دولار). يعزو هذا النمو إلى سنوات من ضعف الاستثمار قبل الحرب في أوكرانيا، وارتفاع الميزانيات الدفاعية في أعقابها.
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تواجه الصناعة الأوروبية، بما في ذلك اختناقات سلاسل التوريد، ونقص المواد الخام والمكونات الإلكترونية، وارتفاع تكاليف الطاقة، ونقص العمالة الماهرة، والقيود التجارية المرتبطة بالعقوبات المفروضة على روسيا.
في المستقبل القريب، من المتوقع أن يستمر قطاع الدفاع الأوروبي في النمو، مدفوعًا بالزيادة المستمرة في الإنفاق الدفاعي والحاجة إلى تعزيز القدرات الأوروبية. من المحتمل أن ينصب التركيز على زيادة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية، بينما في الوقت نفسه، تحافظ الشركات الأمريكية على وجود قوي في السوق الأوروبية من خلال الشراكات والاستثمارات المشتركة. وستكون المفاوضات القادمة بشأن ميزانيات الدفاع الأوروبية، وتطور الوضع الأمني في أوكرانيا، من العوامل الرئيسية التي ستشكل مستقبل صناعة الدفاع في القارة.










