يشهد سكان العاصمة الصومالية مقديشو اليوم الخميس حدثاً تاريخياً، حيث يتوجهون إلى صناديق الاقتراع في انتخابات بلدية تعتبر خطوة حاسمة نحو إجراء أول انتخابات وطنية مباشرة في البلاد منذ أكثر من خمسين عاماً. تأتي هذه الانتخابات في ظل تحسن نسبي للأوضاع الأمنية، على الرغم من التحديات المستمرة التي تفرضها حركة الشباب. ومن المتوقع أن تشكل نتائج هذه الانتخابات المحلية مؤشراً مهماً على الاستعداد للانتخابات الوطنية المقبلة.
تجري الانتخابات في مقديشو، المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة ملايين نسمة، في وقت تسعى فيه الحكومة الصومالية إلى تعزيز الديمقراطية والاستقرار. وتشكل هذه الانتخابات اختباراً حقيقياً لمدى قدرة البلاد على إجراء انتخابات حرة ونزيهة، خاصةً في ظل التحديات الأمنية والسياسية القائمة. ويشارك في هذه الانتخابات أكثر من 1600 مرشح يتنافسون على 390 مقعداً في المجالس المحلية.
أهمية الانتخابات البلدية في سياق الانتقال الديمقراطي
يمثل إجراء انتخابات بلدية مباشرة في مقديشو تحولاً كبيراً في النظام الانتخابي الصومالي. فمنذ سقوط نظام سياد بري في عام 1991، اعتمدت البلاد على نظام الانتخابات غير المباشرة، حيث تنتخب القبائل ممثلين للبرلمان، الذين بدورهم يختارون الرئيس. هذا النظام، وإن كان يهدف إلى تحقيق التوافق بين القبائل المتنافسة، تعرض لانتقادات واسعة بسبب فرص الفساد التي يتيحها.
تاريخ الانتخابات في الصومال
آخر انتخابات مباشرة أجريت في الصومال كانت في عام 1969، قبل الانقلاب العسكري الذي أطاح بالنظام الديمقراطي. ومنذ ذلك الحين، مرت البلاد بفترة طويلة من الحرب الأهلية وعدم الاستقرار، مما جعل إجراء انتخابات حرة ونزيهة أمراً صعباً للغاية. في عام 2004، تم تبني نظام الانتخابات غير المباشرة كحل مؤقت، ولكن العديد من الصوماليين يرون أن هذا النظام لا يعكس إرادة الشعب.
التحديات الأمنية والسياسية
على الرغم من التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية في مقديشو، لا تزال حركة الشباب تشكل تهديداً كبيراً. وتشن الحركة هجمات متكررة على المدينة، مما يثير مخاوف بشأن سلامة الناخبين والمشاركين في العملية الانتخابية. بالإضافة إلى ذلك، هناك تحديات سياسية تتعلق بالاتفاق الأخير بين الرئيس حسن شيخ محمود وقادة المعارضة بشأن نظام الانتخابات المستقبلي.
الجدل حول نظام الانتخابات الجديد
أثار الاتفاق الأخير بين الرئيس محمود وقادة المعارضة جدلاً واسعاً. وينص الاتفاق على أن النواب سيتم انتخابهم مباشرة في عام 2026، لكن البرلمان سيظل هو من يختار الرئيس. وتتهم أحزاب المعارضة الرئيس محمود بمحاولة تسريع عملية الانتقال إلى نظام انتخابي جديد لتعزيز فرص إعادة انتخابه. كما يعبرون عن شكوكهم بشأن قدرة البلاد على إجراء انتخابات شاملة وآمنة في ظل سيطرة حركة الشباب على مناطق واسعة من البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، يثير قانون الانتخابات الصادر عام 2024 تساؤلات حول مدى توافقه مع الدستور الصومالي. ويرى بعض الخبراء القانونيين أن القانون يمنح الحكومة صلاحيات واسعة في تحديد قواعد الانتخابات، مما قد يؤثر على نزاهة العملية الانتخابية. وتشير التقارير إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من الشفافية والحياد في تطبيق القانون لضمان إجراء انتخابات عادلة.
وتعتبر الانتخابات المحلية في مقديشو خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في الصومال. فالانتخابات المحلية الناجحة يمكن أن تعزز ثقة الشعب في العملية الديمقراطية وتشجع على المشاركة السياسية. كما يمكن أن تساعد في تحسين الخدمات العامة وتعزيز التنمية المحلية. وتشكل هذه الانتخابات فرصة لإظهار التزام الصومال بالديمقراطية والحكم الرشيد.
من المتوقع أن تعلن لجنة الانتخابات الوطنية عن النتائج الرسمية لانتخابات مقديشو في الأيام القليلة المقبلة. وستكون هذه النتائج بمثابة مؤشر على مدى نجاح العملية الانتخابية والاستعداد للانتخابات الوطنية المقبلة. وفي الوقت نفسه، يجب على الحكومة الصومالية والمجتمع الدولي مواصلة العمل على تعزيز الأمن والاستقرار في البلاد، ومعالجة التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها. وستظل حركة الشباب تشكل تهديداً مستمراً، ويتطلب التعامل معها استراتيجية شاملة تتضمن جهوداً أمنية وسياسية واقتصادية.










