تعهد رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز باتخاذ إجراءات صارمة ضد خطاب الكراهية في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي استهدف احتفالاً بعيد الأنوار (حانوكا) في حي بوندي بشاطئ سيدني. أسفر الهجوم، الذي وقع يوم الخميس، عن مقتل 16 شخصاً، من بينهم أحد المهاجمين، وإصابة آخرين. وتأتي هذه الوعود وسط صدمة وغضب شعبيين، وتصاعد المخاوف بشأن التطرف العنيف في البلاد.
وأكد ألبانيز في مؤتمر صحفي أنه سيتم تشديد العقوبات المتعلقة بالتحريض على الكراهية، بالإضافة إلى تسهيل إجراءات إلغاء أو رفض التأشيرات للأفراد المتورطين في هذه الممارسات. كما أشار إلى العمل على تطوير آليات لاستهداف المنظمات التي يدعم قادتها خطاب الكراهية، وذلك بهدف حماية المجتمعات المتضررة ومنع تكرار مثل هذه الحوادث المأساوية.
تحقيق في هجوم إرهابي مستوحى من “داعش”
يُعتبر الهجوم، الذي وقع في أحد أكثر الشواطئ شهرة في أستراليا، أسوأ حادث إطلاق نار جماعي في البلاد منذ حوالي ثلاثة عقود. وتصنفه السلطات الأسترالية حاليًا على أنه “عمل إرهابي” استهدف بشكل مباشر الجالية اليهودية، مما أثار تساؤلات حول مدى فعالية الإجراءات الأمنية القائمة.
وفقًا للشرطة، نفّذ الهجوم أب وابنه. وقد تم تحديد هوية الأب على أنه ساجد أكرم (50 عامًا)، والذي قُتل في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة. بينما لا يزال الابن، نافيد أكرم (24 عامًا)، في المستشفى تحت حراسة أمنية مشددة بعد إصابته خلال عملية ملاحقة واعتقاله.
التهم الموجهة للمهاجمين
وأعلنت شرطة ولاية نيو ساوث ويلز توجيه 59 تهمة إلى نافيد أكرم، بما في ذلك 15 تهمة قتل، و40 تهمة تتعلق بالشروع في القتل، بالإضافة إلى تهم تتعلق بالإرهاب وأخرى متعلقة بظروف الجريمة. تؤكد الشرطة أنها ستثبت أمام المحكمة أن الأفعال التي قام بها المتهم تسببت في وفيات وإصابات خطيرة، وتعريض حياة الآخرين للخطر، وذلك بدافع ديني بهدف بث الرعب في المجتمع.
وتشير التحقيقات الأولية، بحسب الشرطة، إلى أن الهجوم كان مستوحى من تنظيم “داعش” الإرهابي، الذي تصنفه أستراليا كمنظمة إرهابية محظورة. وقد عُثر في سيارة الأب، المسجلة باسمه، على مواد متفجرة يدوية الصنع وعلمان مرتبطين بالتنظيم.
بالتزامن مع ذلك، كشف تحقيق أولي أن الأب والابن سافرا إلى الفلبين الشهر الماضي، وأن غرض هذه الرحلة لا يزال قيد التحقيق. وتُجري السلطات الفلبينية أيضًا تحقيقًا في الأمر، حيث تعتبر الفلبين منطقة نشطة لبعض الشبكات المرتبطة بتنظيم “داعش”، خاصة في جنوب البلاد.
وقالت مفوضة الشرطة الأسترالية، كريسي باريت، إن الأدلة الأولية تشير بقوة إلى وجود صلة بين الهجوم وتنظيم “داعش”. وتشير التقارير إلى أن نافيد أكرم كان قيد المراقبة من قبل وكالة الاستخبارات الأمنية الأسترالية (ASIO) منذ عام 2019، بسبب ارتباطه بخلايا إرهابية تابعة للتنظيم في سيدني. ومع ذلك، خلصت الوكالة في ذلك الوقت إلى أنه لا يمثل تهديدًا مباشرًا.
هذا الهجوم يثير تساؤلات حول فعالية برامج مكافحة التطرف في أستراليا، وكيفية التعامل مع الأفراد الذين قد يكونون متطرفين ولكنهم لا يشكلون تهديدًا وشيكًا. كما يسلط الضوء على أهمية التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول.
تداعيات الهجوم ومستقبل مكافحة التطرف
تأتي هذه الحادثة في وقت تشهد فيه أستراليا نقاشًا متزايدًا حول قضايا الأمن القومي، والتطرف العنيف، وحرية التعبير. ويواجه رئيس الوزراء ألبانيز ضغوطًا متزايدة لاتخاذ إجراءات حاسمة لحماية المجتمعات الضعيفة، وضمان عدم تكرار مثل هذه المآسي.
بالإضافة إلى تشديد العقوبات على خطاب الكراهية، من المتوقع أن تدرس الحكومة الأسترالية تعزيز الإجراءات الأمنية في الأماكن العامة، وزيادة التمويل المخصص لبرامج مكافحة التطرف، وتحسين التعاون بين وكالات الاستخبارات والشرطة. كما قد يتم النظر في قوانين جديدة لمكافحة الترويج للإرهاب عبر الإنترنت.
من المرجح أن تستمر التحقيقات في هذا الهجوم لعدة أسابيع أو حتى أشهر، بهدف جمع المزيد من الأدلة، وتحديد جميع المتورطين، وفهم الدوافع الحقيقية وراءه. وسيتم التركيز بشكل خاص على التحقيق في رحلة الأب والابن إلى الفلبين، والعلاقات التي قد يكونان قد أقيماها هناك.
من المتوقع أن يمثل نافيد أكرم أمام المحكمة المحلية يوم الاثنين المقبل عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، حيث سيتم الاستماع إلى أقواله وتحديد الإجراءات القانونية التالية. في الوقت الحالي، لا يزال الوضع غير واضح، ومن الصعب التنبؤ بكيفية تطور الأحداث في المستقبل القريب.
وسيظل مجتمع بوندي، وأستراليا بأكملها، في حالة حداد وصدمة، بينما تتعهد السلطات ببذل كل ما في وسعها لضمان عدم السماح للإرهاب وخطاب الكراهية بالتأثير على قيم التسامح والتنوع التي تقوم عليها البلاد. تشديد الرقابة على المواد المتعلقة بالمنظمات الإرهابية والأمن القومي قد يكون من بين الإجراءات الإضافية التي سيتم النظر فيها.










