تعتزم ألمانيا إرسال قوات عسكرية إلى بولندا للمشاركة في جهود تعزيز تحصين الحدود البولندية، وذلك في ظل تصاعد التوترات الأمنية في شرق أوروبا والمخاوف المتزايدة من أي تهديد روسي محتمل. ومن المقرر أن تبدأ هذه القوات مهامها في إطار برنامج “درع الشرق” البولندي اعتبارًا من أبريل 2026، في خطوة تهدف إلى زيادة الاستعداد الدفاعي في المنطقة.
أعلنت وزارة الدفاع الألمانية عن خططها لإرسال العشرات من الجنود للمساهمة في هذا المشروع، والذي يركز بشكل أساسي على أعمال الهندسة العسكرية. ووفقًا لبيان صادر عن الوزارة، فإن هذه القوات ستعمل على إنشاء مواقع دفاعية، وحفر الخنادق، وتمديد الأسلاك الشائكة، بالإضافة إلى بناء حواجز مضادة للدبابات. وأكدت الوزارة أن هذه المهمة مبدئيًا ستستمر حتى نهاية عام 2027.
تعزيز الأمن الإقليمي من خلال تحصين الحدود البولندية
يأتي هذا القرار في أعقاب إعلان بولندا عن برنامج “درع الشرق” في مايو الماضي، وهو برنامج ضخم تبلغ تكلفته 2.3 مليار يورو يهدف إلى تعزيز الأمن على طول حدودها الشرقية الممتدة مع بيلاروس وروسيا. وتعتبر بولندا من أبرز الدول الداعمة لأوكرانيا في مواجهة الصراع مع روسيا، وتسعى إلى زيادة قدراتها الدفاعية في ظل هذه الظروف.
وتهدف هذه الإجراءات بشكل رئيسي إلى تعزيز الدفاعات ضد أي هجوم محتمل على بولندا، باعتبارها عضوًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وأوضحت وزارة الدفاع الألمانية أن نشر القوات لا يتطلب موافقة البرلمان الألماني، حيث لا يُعتبر هذا التدخل مهمة عسكرية أجنبية بالمعنى القانوني، ولا يُتوقع أن يتعرض الجنود لمواجهة قتالية مباشرة.
الوضع الجيوسياسي وتأثيره على الإنفاق العسكري
تمتد الحدود البولندية مع أوكرانيا لأكثر من 500 كيلومتر، بينما يبلغ طول حدودها مع بيلاروس، حليفة روسيا، حوالي 400 كيلومتر. هذه الجغرافيا تجعل بولندا في موقع استراتيجي بالغ الأهمية في سياق الأمن الأوروبي. وعلى خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، قامت بولندا بزيادة كبيرة في إنفاقها الدفاعي، لتصبح الآن أكبر مُنفِق على الدفاع بين دول حلف الناتو.
وقد صعدت بولندا إلى المركز الثالث من حيث حجم الجيش داخل الحلف، حيث يبلغ عدد جنودها 216 ألفًا، بعد الولايات المتحدة (1.3 مليون) وتركيا (481 ألفًا). وتلي بولندا في الترتيب فرنسا (204 آلاف) وألمانيا (185.600). وفي ميزانية عام 2025، خصصت بولندا مبلغًا قياسيًا قدره 186.6 مليار زلوتي بولندي (ما يعادل 51.3 مليار دولار أمريكي) للدفاع الوطني، وهو ما يمثل 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
بالإضافة إلى ذلك، بلغت قيمة مشتريات بولندا من الأسلحة الأمريكية حوالي 50 مليار دولار، مما جعلها أكبر مشترٍ للأسلحة الأمريكية في عامي 2023 و2024. ويخطط وزير الدفاع البولندي لزيادة الإنفاق العسكري العام المقبل إلى 4.8% من الناتج المحلي الإجمالي. وتعتبر بولندا اليوم حجر الزاوية في خطط حلف الناتو لأي مواجهة محتملة مع روسيا، وشريكًا رئيسيًا لدول البلطيق.
من جهتها، تعد ألمانيا ثاني أكبر مُقدم للمساعدات العسكرية لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة، حيث قدمت لكييف كميات كبيرة من المعدات العسكرية، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي والمركبات المدرعة. وتشير هذه التطورات إلى تحول استراتيجي في السياسة الأمنية الأوروبية، مع التركيز المتزايد على الاستعداد الدفاعي والردع في مواجهة التحديات الجيوسياسية المتزايدة. وتعتبر زيادة التعاون العسكري بين الدول الأعضاء في حلف الناتو، مثل ألمانيا وبولندا، جزءًا من هذا التحول.
في الوقت الحالي، من المتوقع أن تستمر بولندا في تطوير برنامج “درع الشرق” وتوسيع نطاقه ليشمل المزيد من الإجراءات الأمنية. كما يُتوقع أن تواصل ألمانيا تقديم الدعم لبولندا في جهودها لتعزيز تحصين الحدود البولندية. وستراقب الأوساط الأمنية عن كثب التطورات على الحدود البولندية، وتقييم أي تهديدات محتملة قد تنشأ في المستقبل. وتعتبر المراقبة المستمرة للوضع في أوكرانيا وبيلاروس أمرًا بالغ الأهمية لتقييم المخاطر واتخاذ الإجراءات اللازمة.










