كشف الدعم العلني الذي يقدمه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لتيارات اليمين القومي في أوروبا عن خلافات واضحة بين أكبر أحزاب اليمين المتطرف في القارة، لا سيما في ألمانيا وفرنسا. هذا الدعم، الذي يهدف إلى تعزيز أجندة قومية عبر الأطلسي، أثار ردود فعل متباينة، مبرزًا التباين في الاستراتيجيات السياسية الداخلية لهذه الأحزاب. وتتزايد أهمية فهم هذه الديناميكيات في ظل التحولات السياسية المستمرة في أوروبا.
فقد رحب حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) بالدعم المعنوي الذي يقدمه ترامب، معتبراً إياه فرصة لتعزيز شرعيته الداخلية والخروج من العزلة السياسية التي يواجهها. في المقابل، اختار “التجمع الوطني” الفرنسي بقيادة مارين لوبان النأي بنفسه، خوفاً من أن يصبح الارتباط الوثيق بالإدارة الأميركية السابقة عبئاً سياسياً على صورته في فرنسا.
تباين المواقف من دعم ترامب لأحزاب اليمين المتطرف
لطالما شهدت العلاقة بين “البديل من أجل ألمانيا” و”التجمع الوطني” بعض التوتر، خاصةً بسبب تصريحات مثيرة للجدل صدرت عن قيادات الحزب الألماني فيما يتعلق بتاريخ الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، فإن تباين الموقفين الحاليين من دعم ترامب يعكس بشكل أساسي حسابات سياسية داخلية أكثر من الاختلافات الأيديولوجية العميقة. فكل حزب يسعى لتحقيق أهدافه الخاصة في سياق سياسي فريد.
احتفاء ألماني بالخطاب المناهض للمؤسسة
أبدى قادة “البديل من أجل ألمانيا” ترحيباً كبيراً بالهجمات التي وجهها ترامب لقادة التيار الوسطي في أوروبا، بالإضافة إلى إشادته بما وصفه بـ”الأحزاب الأوروبية الوطنية” التي تسعى إلى الحفاظ على الهوية الثقافية للقارة. ويرى الحزب الألماني في هذا الدعم اعترافاً بصحة مواقفه وسياساته.
وعقب صدور استراتيجية الأمن القومي للإدارة الأميركية السابقة، نقلت “بوليتيكو” عن بيتر بيسترون، عضو البرلمان الأوروبي عن “البديل من أجل ألمانيا”، قوله إن هذا يمثل “اعترافاً مباشراً بعملنا”. الاستراتيجية، بحسب الصحيفة، تضمنت تحذيرات من أن أوروبا قد تصبح “غير قابلة للتعرف عليها” خلال عقدين بسبب الهجرة وتراجع الهويات الوطنية، وهو ما يتماشى مع خطاب الحزب الألماني.
ويستعد “البديل من أجل ألمانيا” لإرسال وفد من قياداته إلى واشنطن للقاء شخصيات جمهورية مقربة من حركة “اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى” (MAGA)، في محاولة لتعزيز هذه العلاقات. كما أعربت أليس فايدل، إحدى القيادات الوطنية في الحزب، عن دعمها لاستراتيجية ترامب الأمنية، قائلة: “لهذا السبب نحتاج إلى البديل من أجل ألمانيا!”.
حذر فرنسي من التبعات السياسية
في المقابل، يتعامل “التجمع الوطني” الفرنسي بحذر شديد مع أي تقارب مع ترامب، الذي تحظى صورته بشعبية منخفضة للغاية داخل فرنسا. ويرى الحزب الفرنسي أن الارتباط الوثيق بالرئيس الأميركي السابق قد يضر بفرصه في الانتخابات المستقبلية.
أكد جوردان بارديلا، رئيس الحزب، في مقابلات مع وسائل إعلام بريطانية، اتفاقه العام مع برنامج ترامب المناهض للهجرة، لكنه رفض أي تدخل أميركي في السياسة الفرنسية. واستطرد قائلاً: “أنا فرنسي، ولا أقبل الوصاية، ولا أحتاج إلى أخ أكبر مثل ترامب ليقرر مصير بلدي”.
وأشار تييري مارياني، عضو المكتب الوطني للحزب، إلى أن ترامب “لا يبدو حليفاً مثالياً”، معتبراً أن تأثيره الاقتصادي والسياسي قد يكون مقلقاً. كما عبر عن قلقه من “سلوك شخص لم يعد لديه ما يخشاه”، مشيراً إلى أن تصريحاته غالباً ما تكون “مفرطة وأحياناً مثيرة للسخرية”.
يبدو أن “البديل من أجل ألمانيا” يرى في دعم ترامب فرصة لكسر العزلة السياسية وتعزيز موقفه في ألمانيا، بينما يفضل “التجمع الوطني” الفرنسي الحفاظ على مسافة آمنة لتجنب أي تبعات سلبية على صورته وشعبيته. هذا التباين يعكس التحديات التي تواجه أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا في سعيها لتحقيق أهدافها السياسية.
من المتوقع أن تستمر هذه الخلافات في التأثير على المشهد السياسي الأوروبي، خاصةً مع اقتراب الانتخابات الأوروبية في عام 2024. سيكون من المهم مراقبة كيفية تطور العلاقات بين هذه الأحزاب والإدارة الأميركية الجديدة، وما إذا كانت ستؤدي إلى مزيد من الانقسامات أو إلى تقارب جديد. كما يجب الانتباه إلى تأثير هذه الديناميكيات على السياسات الداخلية والخارجية للدول الأوروبية.










