أكد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، الأربعاء، أن أي تطبيع للعلاقات مع إسرائيل يجب أن يكون جزءاً من عملية أوسع تشمل اتفاق سلام شامل، وأن المحادثات الاقتصادية يجب أن تكون مرتبطة بتحقيق هذا السلام. جاء تصريحه خلال اجتماع في الناقورة بمشاركة ممثلين من لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة، حيث تم بحث سبل تعزيز وقف إطلاق النار القائم وتوسيع نطاق التعاون. يُعد هذا التطور خطوة مهمة نحو استقرار العلاقات بين البلدين.
ورحب سلام بعرض مصر للمساعدة في تخفيف التوترات على الحدود الجنوبية للبنان، معرباً عن تقديره للدور المصري في دعم الاستقرار الإقليمي. وأضاف أن لبنان يلتزم بمبادرة السلام العربية لعام 2002، والتي تتضمن حل الدولتين كأساس لأي تطبيع مع إسرائيل، مشدداً على أن هذا الشرط لا يزال قائماً.
محادثات لجنة مراقبة الهدنة وتطوراتها
عقدت لجنة مراقبة الهدنة بين لبنان وإسرائيل اجتماعاً استثنائياً في الناقورة، بحضور ممثلين مدنيين من كلا الجانبين للمرة الأولى منذ تفعيل اللجنة في عام 2024. ويأتي هذا التوسع في نطاق المشاركة استجابةً للجهود الأمريكية الرامية إلى تعزيز الاستقرار في المنطقة وتذليل العقبات أمام تحقيق سلام دائم.
ووفقاً لمصادر لبنانية، فإن مشاركة المدنيين تهدف إلى بناء الثقة بين الطرفين وتسهيل الحوار حول القضايا العالقة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والإنسانية. وقد أعلنت الرئاسة اللبنانية تكليف السفير السابق سيمون كرم برئاسة الوفد اللبناني في هذه المحادثات.
الخلفية السياسية والأهداف الأمريكية
تأتي هذه المحادثات في ظل سياق إقليمي معقد، يتضمن مخاوف مستمرة من تصعيد التوترات بين إسرائيل وحزب الله. وتسعى الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، إلى تحقيق اختراقات في عملية السلام بالشرق الأوسط، وتشجيع الدول العربية على إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل. وبالتالي، فإن اجتماع الناقورة يُنظر إليه على أنه جزء من هذه الجهود الأوسع.
أعرب مسؤولون إسرائيليون عن تفاؤلهم إزاء هذه الخطوة، واعتبروها فرصة فريدة لإقامة علاقات تعاون اقتصادي مع لبنان. وقالت المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية شوش بيدروسيان إن الاجتماع يمثل “تطوراً تاريخياً” يعكس السعي لتحقيق تغيير إيجابي في وجه المنطقة. وأشار مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن هذه المحادثات هي “محاولة أولية لإرساء أساس لعلاقة وتعاون اقتصادي”.
من جهته، أكد مصدر أمني لبناني أن الاجتماع كان “إيجابياً”، ولكنه أشار إلى أنه لم يتم توسيع جدول الأعمال ليشمل قضايا سياسية أو اقتصادية خلافية. ويرى مراقبون أن هذا التريث يعكس حرص الجانبين على تجنب أي تصعيد في المرحلة الحالية، والتركيز على تعزيز وقف إطلاق النار القائم.
التطبيع مع إسرائيل، كمفهوم، لا يزال مثيراً للجدل في لبنان، حيث تتبنى الحكومة بشكل رسمي مبادرة السلام العربية التي تشترط انسحاباً كاملاً لإسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة مقابل تطبيع العلاقات. ويدعو البعض إلى استكشاف سبل للتعاون الاقتصادي مع إسرائيل قبل تحقيق حل سياسي شامل، بينما يرفض آخرون أي شكل من أشكال التعاون مع تل أبيب.
تعد قضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، والتي طالما كانت مصدراً للتوتر، من القضايا الهامة التي تتطلب حلاً. وتأمل الأطراف المعنية في أن تساهم المحادثات الجارية في إيجاد حل لهذه القضية، مما قد يفتح الباب أمام استغلال الموارد الطبيعية في المنطقة بشكل مشترك.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الوضع الأمني في جنوب لبنان، حيث ينتشر حزب الله، يمثل تحدياً كبيراً أمام تحقيق الاستقرار. ويطالب رئيس الوزراء سلام الجيش اللبناني بـ”احتواء السلاح” في هذه المنطقة بحلول نهاية العام الحالي، وهو ما يتطلب دعماً من الدول المعنية.
من المتوقع أن تعقد لجنة مراقبة الهدنة اجتماعاً آخر في الأشهر القادمة، لمتابعة التقدم المحرز في تنفيذ وقف إطلاق النار ومناقشة إمكانية توسيع نطاق التعاون ليشمل مجالات أخرى. ويتوقف مستقبل هذه المحادثات على قدرة الطرفين على الحفاظ على الروح الإيجابية التي سادت الاجتماع الأول، وتجنب أي تصعيد في التوترات الإقليمية. كما أن الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة، كراعية لهذه المحادثات، سيكون حاسماً في تحقيق أي اختراقات.










