أعلنت الأمم المتحدة عن نزوح أكثر من 200 ألف شخص من ديارهم في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك مع تصاعد القتال بين القوات الحكومية ومجموعة متمردة مدعومة من رواندا. يأتي هذا التطور بعد أيام قليلة من استضافة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرئيسي رواندا والكونغو في واشنطن لتوقيع اتفاق يهدف إلى تحقيق السلام في المنطقة، مما يثير تساؤلات حول فعالية هذا الاتفاق في ظل استمرار العنف وتدهور الأوضاع الإنسانية في الكونغو الديمقراطية.
ووفقًا لبيان صادر عن الأمم المتحدة، فقد سقط ما لا يقل عن 74 قتيلاً، معظمهم من المدنيين، وأصيب 83 آخرون جراء الاشتباكات المتزايدة. تركز القتال حاليًا حول بلدة أوفيرا الاستراتيجية الواقعة على بحيرة الحدودية مع بوروندي، حيث تحاول حركة 23 مارس التقدم والسيطرة عليها.
تصاعد العنف وتأثيره على المدنيين في الكونغو الديمقراطية
يشهد شرق الكونغو الديمقراطية منذ عقود صراعات متقطعة بين الجماعات المسلحة المتعددة والقوات الحكومية، مدفوعة بمنافسة على الموارد الطبيعية، وعلى رأسها المعادن الثمينة. هذه الصراعات تؤدي باستمرار إلى نزوح جماعي للسكان وتدهور الأوضاع الإنسانية.
وتشير التقارير إلى أن حركة 23 مارس، وهي جماعة متمردة ذات أغلبية من عرقية التوتسي، تسيطر حاليًا على لوفونجي، وهي بلدة كانت تمثل خط المواجهة الرئيسي منذ فبراير. وتدور معارك عنيفة أيضًا بالقرب من سانج وكيليبا، وهما قريتان تقعان على الطريق المؤدي إلى أوفيرا من الشمال.
خلفية الصراع وأسباب التفاقم
يعود تاريخ الصراع في المنطقة إلى فترة ما بعد الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، حيث لجأ العديد من المتطرفين الهوتو الذين شاركوا في الإبادة إلى شرق الكونغو. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المنطقة ملاذًا آمنًا للجماعات المسلحة المختلفة، مما أدى إلى عدم الاستقرار المستمر.
تتهم كل من الأمم المتحدة والولايات المتحدة رواندا بدعم حركة 23 مارس، على الرغم من نفي رواندا المتكرر لهذه الاتهامات. وتشير الأدلة المتوفرة إلى أن رواندا تقدم الدعم اللوجستي والمالي والعسكري للمتمردين، مما يساهم في تفاقم الوضع الأمني.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التنافس على الموارد الطبيعية، مثل الذهب والكولتان والقصدير، يلعب دورًا رئيسيًا في تغذية الصراع. تستفيد الجماعات المسلحة من استغلال هذه الموارد لتمويل عملياتها وشراء الأسلحة.
اتفاق السلام الأخير وتداعياته
جاء توقيع اتفاق السلام في واشنطن يوم الخميس الماضي، بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيسي رواندا والكونغو، كجزء من جهود إقليمية ودولية لإنهاء الصراع. يهدف الاتفاق إلى معالجة الأسباب الجذرية للصراع وتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي بين البلدين.
وعبر الرئيس ترامب عن تفاؤله بنجاح الاتفاق، مدعيًا أنه “ينجح اليوم فيما فشل فيه كثيرون غيرنا”. ومع ذلك، فإن التصعيد الأخير في القتال يثير شكوكًا حول قدرة الاتفاق على تحقيق الاستقرار في المنطقة.
ويرى مراقبون أن الاتفاق يفتقر إلى آليات فعالة لتنفيذ التزامات الطرفين، وأن هناك حاجة إلى ضغوط دولية مستمرة لضمان التزام رواندا بوقف دعمها للمتمردين. كما أن هناك حاجة إلى معالجة قضايا الموارد الطبيعية بشكل شفاف وعادل لضمان عدم استغلالها لتمويل الصراع.
هذا النزوح الأخير يزيد من عدد النازحين داخليًا في الكونغو الديمقراطية، والذي بلغ بالفعل أكثر من 1.2 مليون شخص قبل هذا التصعيد. وتواجه هذه الأعداد الهائلة من النازحين ظروفًا إنسانية مروعة، بما في ذلك نقص الغذاء والمياه والمأوى والرعاية الصحية.
الأوضاع الإنسانية في المنطقة تتدهور بسرعة، وتتطلب استجابة عاجلة من المجتمع الدولي لتقديم المساعدة الإنسانية اللازمة للمتضررين. كما أن هناك حاجة إلى دعم جهود السلام والمصالحة لضمان تحقيق حل مستدام للصراع.
من المتوقع أن تستمر الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى في تقييم الوضع على الأرض وتقديم المساعدة للمتضررين. كما أن هناك جهودًا دبلوماسية جارية لتهدئة التوتر وإعادة إطلاق مفاوضات السلام. ومع ذلك، فإن مستقبل المنطقة لا يزال غير مؤكد، ويتوقف على التزام جميع الأطراف بوقف العنف والعمل من أجل حل سلمي.
ما يجب مراقبته في الأيام والأسابيع القادمة هو مدى استجابة رواندا للضغوط الدولية، وقدرة القوات الكونغولية على صد هجوم المتمردين، وفعالية الجهود الدبلوماسية في تحقيق وقف إطلاق النار. كما أن الوضع الإنساني سيظل مصدر قلق بالغ، ويتطلب مراقبة دقيقة لضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين.










