أكد وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، الأحد، أن بلاده لن تسعى لإبرام اتفاق أمني مع إسرائيل طالما استمر الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من الأراضي السورية، بما في ذلك المناطق التي تم التوغل فيها بعد عام من التغيير السياسي في سوريا. يأتي هذا التصريح في ظل تكثيف الجهود الدبلوماسية، بقيادة الإدارة الأمريكية، للوصول إلى تفاهمات بين الجانبين. وتشكل هذه القضية تحديًا رئيسيًا في جهود استعادة الاستقرار في المنطقة، حيث تتطلب أي محادثات جدية معالجة قضايا الأمن الإقليمي بشكل شامل وعادل.
شدد الشيباني، خلال مشاركته في منتدى الدوحة للحوار، على ضرورة استعادة الوضع القائم على الخريطة السياسية إلى ما كان عليه قبل 8 ديسمبر 2024. واعتبر أن هذا الشرط أساسي لبدء أي حوار فعلي بشأن مستقبل العلاقات بين سوريا وإسرائيل، وانسجامًا مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
الوضع الأمني في سوريا وعلاقاتها مع إسرائيل
أشار وزير الخارجية السوري إلى أن أي ترتيب أمني مستقبلي يجب أن يقوم على مبدأ المعاملة بالمثل، مع أخذ المخاوف الأمنية لكلا البلدين بعين الاعتبار. وأضاف أن العملية الأمنية يجب أن تكون تكاملية وثنائية، ولا يمكن أن تنفذ من جانب واحد فقط، مؤكدًا أن إسرائيل كانت دائمًا الطرف الذي يعرقل الاستقرار في سوريا من خلال محاولات مستمرة لزعزعة الأمن.
وطالب الشيباني تل أبيب بالتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية السورية، مشددًا على رفض دمشق لأي محاولات للعبث بالنسيج الاجتماعي والسياسي في البلاد. كما حثّ على نبذ سياسة المراهنة على فئات معينة من المجتمع السوري بهدف تحقيق مكاسب سياسية أو أمنية.
وفيما يتعلق باتفاق عام 1974 الذي تم التوصل إليه برعاية أمريكية، أكد الشيباني التزام سوريا بنوده. وأوضح أن سوريا نجحت في حشد دعم دولي واسع لموقفها تجاه إسرائيل، خصوصًا من الولايات المتحدة التي أبدت استعدادًا لدعم إبرام اتفاق عسكري بين البلدين.
في سياق متصل، أثارت الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للأراضي السورية انتقادات حادة من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي حذر الأسبوع الماضي من أي محاولات لعرقلة جهود التنمية والتقدم في سوريا. جاء هذا التحذير بعد أيام من توغل قوات إسرائيلية في بلدة بيت جن جنوبي سوريا، وهو ما اعتبرته دمشق انتهاكًا صارخًا للسيادة السورية.
انتهاكات الاتفاقات السابقة
ينص اتفاق 1974 على إنشاء منطقة عازلة بين البلدين، مع وجود مناطق متساوية للقوات والأسلحة المحدودة على جانبي هذه المنطقة. كما يتضمن الاتفاق إنشاء قوة تابعة للأمم المتحدة، والمعروفة باسم “يوندوف” (UNDOF)، للإشراف على تطبيق الاتفاق، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 350 لعام 1974. إلا أن إسرائيل لم تلتزم بهذه البنود، حيث قامت بتوغلات متكررة في جنوب سوريا وانتهاك الأراضي الواقعة في المنطقة العازلة، بالإضافة إلى نشر قوات ومعدات عسكرية في مناطق مثل قمة جبل الشيخ.
وقد تبنت الأمم المتحدة مؤخرًا قرارًا يدين استمرار الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان، ويعتبر ضمها غير قانوني. وطالبت إسرائيل بالانسحاب إلى خطوط ما قبل 6 يونيو 1967، وهو ما أيده الرئيس ترمب ودعا تل أبيب إلى تجنب أي خطوات قد تعيق مسار التطور في سوريا و الاستقرار الإقليمي.
رؤية سوريا 2026
أكد الشيباني أن سوريا تسعى إلى إعادة بناء نفسها كدولة محايدة، لا تنتمي إلى أي تحالفات أو اصطفافات خارجية. وأضاف أن سوريا نجحت حتى الآن في تحقيق هذا الهدف، من خلال بناء علاقات جيدة مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.
وأوضح أن عملية إعادة الإعمار تتطلب التعاون مع جميع الدول الصديقة، وأن سوريا لا يمكنها أن تختار الشركاء الذين ترغب في التعامل معهم. كما شدد على أهمية تحقيق الاستقرار الأمني الداخلي، وتعزيز العلاقات الأمنية مع دول المنطقة، كشرط أساسي لنجاح عملية البناء والتنمية والعلاقات الدولية.
وأشار وزير الخارجية السوري إلى أن سوريا تتمتع اليوم بعلاقات متنوعة ومتعددة مع مختلف دول العالم، وتسعى إلى أن تكون نموذجًا ملهمًا للنجاح والتقدم في المنطقة. وأعرب عن ثقته في أن دمشق ستتمكن من تحقيق هذا الهدف بفضل وجود إرادة دولية جادة لدعم عملية إعادة الإعمار والتنمية في سوريا.
وفيما يتعلق بالوضع الداخلي، قال الشيباني إن سوريا تواجه تحديات كبيرة في إعادة تأهيل المؤسسات الحكومية وتصحيح مسار السياسة الخارجية التي كانت متبعة في السابق. وأضاف أن الحكومة الحالية تعمل على استعادة ثقة الشعب السوري بنفسه، وتعزيز الشعور بالانتماء والوحدة الوطنية.
وأوضح أن الحكومة السورية ستركز في عام 2026 والأعوام القادمة على الجانب الخدمي والاقتصادي، من خلال إطلاق مشاريع تنموية واسعة النطاق في مختلف القطاعات. وأشار إلى أن القطاعات الأساسية في سوريا بدأت بالفعل في التعافي، بفضل الشراكات مع دول سعودية وقطرية وأمريكية.
في الختام، يرى المراقبون أن تصريحات وزير الخارجية السوري تعكس رغبة حقيقية في استعادة العلاقات مع إسرائيل على أساس من الاحترام المتبادل والعدالة. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب تغييرات جوهرية في السياسات الإسرائيلية، وخصوصًا فيما يتعلق بالاحتلال والانتهاكات المتكررة للأراضي السورية. من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة مزيدًا من المشاورات والجهود الدبلوماسية، بهدف الوصول إلى تفاهمات بشأن القضايا العالقة، وتحديد الإطار العام لمحادثات مستقبلية محتملة.










