مع اقتراب التوتر الإقليمي من ذروته، كشفت تفاصيل جديدة عن استعدادات مكثفة لعملية عسكرية محتملة ضد إيران، شملت نشر عملاء سريين وتأهب القوات الجوية الإسرائيلية. وتداولت الأنباء عن اتفاق تنسيقي بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني، بينما كانت جهود دبلوماسية تجري في الخفاء لإخفاء النوايا الحقيقية. يثير هذا التصعيد تساؤلات حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وبحسب تقارير صحفية، تجاوزت إسرائيل والولايات المتحدة خلافاتهما في وجه التحدي المتزايد الذي تمثله الأنشطة النووية لطهران. وقد تم التوصل إلى تفاهم أولي بشأن حدود التسامح مع تقدم إيران في هذا المجال، بالتزامن مع محاولات لتضليل إيران وإبقائها في حالة جهل بما يقترب. وتُظهر هذه التطورات قلقاً بالغاً من قدرة طهران على تطوير أسلحة نووية.
التحضيرات لعملية “نارنيا” والضربات الأولية
أدرك المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون أن مجرد إلحاق ضرر محدود بالبرنامج النووي الإيراني لن يكون كافياً لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية. لذلك، خططوا لعملية تهدف إلى “القضاء على مخزن العقول”، أي استهداف كبار العلماء والمهندسين الإيرانيين المتخصصين في الأبحاث النووية. وقد تم تحديد هؤلاء العلماء بناءً على عقود من التجسس والتحليل الاستخباراتي، وتحديد تحركاتهم ومنازلهم بدقة.
وفي فجر يوم 13 يونيو، بدأت العملية التي أطلق عليها اسم “نارنيا” بشن هجمات على مجمعات سكنية ومنازل في العاصمة الإيرانية. وكان من بين الضحايا محمد مهدي طهرانجي، عالم الفيزياء النظرية وخبير المتفجرات، والذي لقي حتفه في شقته في مجمع “مجمع الأساتذة”.
بعد ساعتين فقط، سقط فریدون عباسي، وهو عالم فيزياء نووية ورئيس سابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، ضحية ضربة أخرى في طهران. واعلنت إسرائيل لاحقاً أنها قامت باغتيال 11 عالماً نووياً إيرانياً بارزاً في الأيام التي تلت الثالت عشر من يونيو.
الأضرار الجانبية والتحقيقات المستقلة
على الرغم من الجهود المبذولة لتقليل الخسائر البشرية، تشير التحقيقات المستقلة إلى وقوع ضحايا مدنيين نتيجة لهذه الضربات. فقد تمكنت صحيفة “واشنطن بوست” ومنصة Bellingcat من التحقق من مقتل 71 مدنياً في 5 ضربات استهدفت العلماء النوويين، وذلك من خلال تحليل صور الأقمار الصناعية، ومقاطع الفيديو، وإعلانات الوفاة، وسجلات المقابر.
وتشير التقارير إلى أن 10 مدنيين، بينهم رضيع يبلغ من العمر شهرين، قتلوا في الضربة التي استهدفت “مجمع الأساتذة”. كما قُتل طفل يبلغ من العمر 17 عاماً في هجوم على منزل محمد رضا صديقي صابر. وتؤكد هذه الحوادث على التحديات الأخلاقية والقانونية المرتبطة بالعمليات العسكرية التي تستهدف أفراداً بعينهم.
الدبلوماسية والتضليل وعواقب الهجوم
خلال فترة التحضير لعملية “نارنيا”، قامت إسرائيل والولايات المتحدة بجهود دبلوماسية مكثفة لإبقاء إيران غير مستعدة للهجوم. وشمل ذلك تسريب معلومات مضللة حول الخلافات بين البلدين، وتنظيم اجتماعات صورية مع المبعوثين الدوليين. وبهذه الطريقة، تمكنت إسرائيل من الحفاظ على سرية خططها حتى اللحظة الأخيرة.
وعرضت الولايات المتحدة على إيران صفقة تتضمن رفع العقوبات مقابل التخلي عن طموحاتها النووية، بما في ذلك إغلاق منشآت تخصيب الوقود في “فوردو” و”نطنز”. ومع ذلك، رفضت طهران هذه الشروط، مما أدى إلى إعطاء إدارة ترمب الضوء الأخضر للبدء في الضربات الجوية.
تسببت الهجمات في أضرار واسعة النطاق للمنشآت النووية الإيرانية، وأعادت البرنامج النووي الإيراني سنوات إلى الوراء. ومع ذلك، لم تؤدِ الهجمات إلى تدمير البرنامج بشكل كامل، بل أدت إلى تعقيد المفاوضات الدولية الرامية إلى كبح أنشطة طهران النووية.
أدت هذه التطورات إلى تصعيد التوتر في المنطقة، واندلعت اشتباكات متفرقة بين القوات الإيرانية والقوات الإسرائيلية والتحالف. كما أعلنت إيران عن عزمها على الانتقام، مما يزيد من خطر اندلاع حرب شاملة. بالإضافة إلى ذلك، أدت الهجمات إلى تقويض الجهود الدبلوماسية التي كانت تهدف إلى التوصل إلى حل سلمي للأزمة النووية الإيرانية.
في أعقاب الهجوم، أعلنت إيران أنها ستواصل تطوير قدراتها النووية، وتعهدت بعدم التراجع عن طموحاتها. وقد أثار هذا التعهد قلقاً بالغاً في المجتمع الدولي، ودعا العديد من الدول إلى فرض عقوبات جديدة على طهران. ومع ذلك، يرى البعض أن العقوبات لن تكون كافية لثني إيران عن المضي قدماً في برنامجها النووي.
الوضع الحالي يتسم بالهشاشة وعدم اليقين. من المتوقع أن تستمر الجهود الدبلوماسية في محاولة التوصل إلى حل سلمي للأزمة النووية الإيرانية، ولكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الجهود ستنجح. في الوقت نفسه، من المرجح أن تواصل إسرائيل والولايات المتحدة مراقبة الأنشطة النووية الإيرانية عن كثب، والاستعداد للتدخل إذا رأت أن طهران تقترب من تطوير أسلحة نووية. يجب مراقبة ردود الفعل الإيرانية على المدى القصير، وتطورات المفاوضات الدولية، وأي تغييرات في السياسة الإقليمية للولايات المتحدة وإسرائيل.










