حذر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف من تصاعد التوترات في منطقة البلقان، مشيراً إلى محاولات غربية لتقويض اتفاق دايتون الذي أنهى الحرب في البوسنة والهرسك عام 1995. وأكد لافروف في مقال نشرته صحيفة صربية أن هناك توجهات خطيرة لزيادة القدرات العسكرية في المنطقة، وأن تجاهل قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن كوسوفو يهدد الاستقرار. وتأتي هذه التصريحات في ظل مخاوف متزايدة بشأن الانفصاليات وتغيير موازين القوى في البلقان.
جاءت تصريحات لافروف في سياق مقال نشرته صحيفة “بوليتيكا” الصربية، حيث تناول أهمية اتفاق دايتون في الحفاظ على السلام والاستقرار في البوسنة والهرسك. وأشار إلى أن محاولات “خصخصة” عملية التسوية من قبل الغرب، من خلال إنشاء آليات رقابية بديلة خارج إطار الأمم المتحدة، تقوض الأسس التي يقوم عليها هذا الاتفاق. كما انتقد لافروف تجاهل الغرب لالتزاماته الدولية المتعلقة بكوسوفو.
اتفاق دايتون ومستقبل البوسنة والهرسك
يُعد اتفاق دايتون، الذي تم التوصل إليه في قاعدة رايت باتيرسون الجوية في أوهايو بالولايات المتحدة، بمثابة حجر الزاوية في التسوية السياسية في البوسنة والهرسك بعد سنوات من الحرب الأهلية المدمرة. وقد أرسى الاتفاق نظام حكم معقدًا يتضمن كيانين رئيسيين: اتحاد البوسنة والهرسك وجمهورية صربسكا، بالإضافة إلى مقاطعة بركو. ويضمن الاتفاق المساواة في الحقوق بين الشعوب الثلاثة الرئيسية: البوسنيون والكروات والصرب.
وفقًا للافروف، فإن أي تعديل على اتفاق دايتون يجب أن يتم من خلال عملية توافقية تشمل جميع شعوب البوسنة والهرسك، مع احترام الإجراءات الدستورية المعمول بها وعدم التدخل الخارجي. وأكد أن روسيا، بصفتها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي، تدعم بشكل كامل اتفاق دايتون ومبادئه الأساسية. ويرى مراقبون أن دعم روسيا لهذا الاتفاق يعكس رغبتها في الحفاظ على نفوذها في منطقة البلقان.
تجاهل قرارات مجلس الأمن بشأن كوسوفو
بالإضافة إلى البوسنة والهرسك، أعرب لافروف عن قلقه بشأن الوضع في كوسوفو، مشيرًا إلى أن الدول الغربية التي تعترف باستقلال كوسوفو تتجاهل بشكل مستمر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1244. وينص هذا القرار على ضمان حقوق الصرب وغيرهم من المجتمعات غير الألبانية في كوسوفو. واتهم لافروف الغرب بتشجيع “التجاوزات المعادية للصرب” من قبل حكومة بريشتينا، بما في ذلك محاولات إنشاء جيش غير شرعي.
وأضاف لافروف أن تشكيل تحالفات عسكرية تشارك فيها كوسوفو إلى جانب دول أخرى يمثل تصعيدًا خطيرًا للتوترات في المنطقة. ويشير هذا إلى تحول في السياسة الغربية في البلقان، حيث يبدو أن هناك رغبة في تعزيز النفوذ الغربي وتقليل النفوذ الروسي. وتعتبر كوسوفو قضية حساسة للغاية بالنسبة لروسيا، التي تدعم صربيا في مطالبتها بالسيادة على الإقليم.
في سياق منفصل، انتقد رئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي، “التساهل” الذي تبديه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجاه صربيا، داعيًا إلى فرض عقوبات على بلغراد. ويعكس هذا التصريح التوتر المتزايد بين كوسوفو وصربيا، والذي يهدد بتقويض جهود السلام والاستقرار في المنطقة.
وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه أوروبا الشرقية أزمة متصاعدة في أوكرانيا، مما يزيد من تعقيد الوضع في البلقان. ويرى بعض المحللين أن هناك محاولة من قبل روسيا لاستغلال التوترات في البلقان لصرف انتباه الغرب عن أوكرانيا.
بشكل عام، تشير تصريحات لافروف إلى أن روسيا ترى أن الغرب يسعى إلى تغيير موازين القوى في البلقان وتقويض اتفاق دايتون. وتدعو روسيا إلى احترام القانون الدولي والالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي، من أجل ضمان السلام والاستقرار في المنطقة.
من المتوقع أن يستمر مجلس الأمن الدولي في مناقشة الوضع في البوسنة والهرسك وكوسوفو في الأشهر المقبلة. وستراقب الدول الغربية عن كثب التطورات في المنطقة، وستسعى إلى منع أي تصعيد للتوترات. يبقى مستقبل البلقان غير مؤكد، ويتوقف على قدرة الأطراف المعنية على إيجاد حلول سلمية للخلافات القائمة.










