قدمت المفوضية الأوروبية يوم الأربعاء حزمة جديدة من “التبسيطات” للتشريعات البيئية، والتي ستخفض المعايير ومراقبة الانبعاثات الصناعية وحماية المياه. يأتي هذا الإجراء في ظل ضغوط كبيرة تواجهها المفوضية من مختلف الأطراف، ويشمل تخفيضًا متوقعًا بنسبة 25٪ على الأقل في المتطلبات الإدارية البيئية للشركات الخاصة بحلول عام 2029. هذه التغييرات تثير قلقًا بشأن مستقبل البيئة في أوروبا.
وتزعم السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي أن هذه الإجراءات تستجيب لمخاوف الشركات والإدارات العامة، التي اشتكت من أن الإجراءات البيروقراطية المفرطة تعيق قدرتها التنافسية. ومع ذلك، يرى خبراء البيئة أن هذه التبسيطات تأتي على حساب حماية البيئة والصحة العامة.
تخفيف القيود على الانبعاثات الصناعية والمياه
بموجب ما يسمى بـ “الحزمة البيئية الشاملة” (environmental omnibus)، وهي حزمة تشريعية قدمتها المفوضية لمراجعة التشريعات الحالية، لن يُطلب من مشغلي المزارع وتربية الأحياء المائية الإبلاغ عن استخدام المياه والطاقة كما هو مطلوب حاليًا بموجب قانون الانبعاثات الصناعية للاتحاد الأوروبي. ووفقًا لبيانات الاتحاد الأوروبي، سيستفيد من ذلك حوالي 38,500 مزرعة مكثفة لتربية الخنازير والدواجن.
بالإضافة إلى ذلك، تقترح المفوضية تسريع إصدار التصاريح من خلال إلغاء التقييمات البيئية للانبعاثات الصناعية وتصريف المياه والمخلفات الكيميائية. هذا الإجراء قد يقلل من التدقيق في الأنشطة الصناعية ويؤثر سلبًا على جودة البيئة.
تأثير على إدارة النفايات
لن تكون النفايات الإلكترونية والعبوات والمنسوجات بمنأى عن هذه التغييرات. فشركات تصنيع المنتجات مثل الزجاجات البلاستيكية والإلكترونيات لن تتحمل مسؤولية ما يحدث لها بعد انتهاء المستهلكين من استخدامها. وهذا يشمل بشكل خاص منتجي البطاريات وقطاعي المشروبات والمنسوجات، حيث تشير بيانات الاتحاد الأوروبي إلى أن قطاع المنسوجات مسؤول عن حوالي 12.6 مليون طن من النفايات سنويًا.
وتأتي هذه المقترحات بعد أيام قليلة من تحذير مفوضة البيئة، جيسيكا روسوال، من أن المسطحات المائية في أوروبا “مهملة، مستغلة بشكل مفرط، وملوثة” خلال فعالية لتعزيز مرونة المياه. هذا التناقض بين التحذيرات البيئية والإجراءات المقترحة يثير تساؤلات حول أولويات المفوضية.
انتقادات من منظمات المجتمع المدني
أعربت منظمات غير حكومية بيئية عن أسفها لنية المفوضية إعادة فتح قانون الانبعاثات الصناعية الذي تم اعتماده العام الماضي، مشيرة إلى أنه كان يوفر بالفعل مرونة كبيرة في الإبلاغ والشفافية. وقال جريج فان إلسن، منسق السياسات الصناعية الأول في شبكة العمل المناخي (CAN) أوروبا، إن “الحزمة الشاملة تقدم خطوة أخرى نحو خلق حالة من عدم اليقين التنظيمي للشركات وتعريض المجتمعات المحلية للخطر”.
كما انتقدت تشيارا مارتينيلي، مديرة CAN أوروبا، قرار التراجع عن “القواعد المتفق عليها ديمقراطيًا” لحماية الطبيعة والصحة العامة. وأضافت: “الطبيعة لا تستطيع شراء النفوذ السياسي، كما تفعل الصناعات الملوثة. هذه الضمانات الحيوية هي التي تقف بيننا وبين تفاقم آثار تغير المناخ في أوروبا وحول العالم. إضعافها الآن أمر غير مسؤول”.
تداعيات على أهداف المناخ
على الرغم من أن مقترحات المفوضية قد توفر للشركات ملايين اليوروهات سنويًا، إلا أن تأثيرها سيؤدي حتماً إلى تقارير أقل وضوحًا بشأن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وإزالة الحوافز للممارسات المستدامة. هذا التبسيط للتشريعات الخضراء يأتي على الرغم من التحذيرات من علماء المناخ، بما في ذلك الهيئة العلمية الاستشارية للاتحاد الأوروبي المعنية بتغير المناخ، التي أوصت بأن يحدد الاتحاد الأوروبي هدفًا لخفض الانبعاثات بنسبة 90٪ بحلول عام 2040.
وفي الوقت نفسه، حذرت وسيطة الاتحاد الأوروبي المفوضية من سوء سلوكها في اقتراح تبسيط قانون العناية الواجبة للشركات دون إجراء تقييمات للأثر البيئي. ويقول الخبراء إن تأثير الاحتباس الحراري أصبح شبه مستحيل الرجوع عنه، وأن التركيز على التخفيف والتكيف هو الآن أمر بالغ الأهمية.
تشير التقارير العلمية إلى أن أكثر من نصف أوروبا ستواجه موجات حر سنوية أعلى من 37 درجة مئوية بحلول عام 2100. كما أن حرائق الغابات تستهلك بالفعل مساحات واسعة من الأراضي وتدمر الغابات، والتي تعتبر ضرورية لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. ففي إسبانيا وحدها، التهمت حرائق الغابات هذا العام 400,000 هكتار من الغطاء النباتي، وهو ما يعادل حوالي 560 ملعبًا لكرة القدم، وهو مستوى من الدمار لم يسبق له مثيل في أوروبا منذ التسعينيات. كما شهدت البرتغال واليونان وفرنسا حرائق غابات، مما رفع إجمالي الغابات والمناظر الطبيعية المحروقة في دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين إلى ما يقرب من مليون هكتار.
الآن، ستخضع هذه القوانين الخمسة (النفايات، والانبعاثات الصناعية والحيوانية، والبطاريات، والإبلاغ البيئي، والمعلومات المكانية) للتدقيق مرة أخرى من قبل البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي تحت الرئاسة القبرصية القادمة للاتحاد الأوروبي. من المتوقع أن تبدأ المناقشات حول هذه المقترحات في الأشهر المقبلة، مع احتمال التوصل إلى اتفاق نهائي بحلول نهاية عام 2024. وسيكون من المهم مراقبة مدى تأثير الضغوط الصناعية على عملية صنع القرار، وكيف سيتم التوفيق بين الحاجة إلى التبسيط وحماية البيئة.










