انتشرت مؤخرًا على فيسبوك ادعاءات حول وجود “صناديق بريد آلية ذكية” في المدن الألمانية، قادرة على استعادة العناصر المفقودة مثل المحافظ والمفاتيح. وقد أثار هذا الخبر جدلاً واسعًا وشكوكًا لدى العديد من المستخدمين، مما يسلط الضوء على انتشار المحتوى المُنشأ بالذكاء الاصطناعي المضلل على وسائل التواصل الاجتماعي.
يزعم المنشور أن هذه الصناديق تقوم بمسح محتويات العناصر المفقودة باستخدام كاميرات داخلية وأنظمة ذكاء اصطناعي للتعرف على الأشياء، ثم تقوم بمطابقتها مع قواعد بيانات العناوين المحلية وإعادة إرسالها إلى أصحابها في غضون 48 ساعة. ومع ذلك، نفى العديد من المستخدمين الألمان رؤية هذه الصناديق في مدنهم، وهو ما أكدته التحقيقات التي أظهرت أن هذه الادعاءات غير صحيحة.
انتشار “الخردة الرقمية” المُنشأة بالذكاء الاصطناعي
على الرغم من وجود العديد من مكاتب “المفقودات والمعثورات” في ألمانيا، إلا أنه لا يوجد دليل على أن صناديق البريد مجهزة بتقنية لتحديد هوية مالك العنصر المفقود والاتصال به. توجد بوابات إلكترونية وطنية للإبلاغ عن العناصر المفقودة، لكنها لا تذكر صناديق البريد كطريقة مشروعة لإعادة هذه العناصر.
كشف فحص دقيق للصورة المتداولة عن عدة أدلة تشير إلى أنها مُنشأة بالذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، لا تتطابق اللافتات الموجودة على الصناديق، والتي يبدو أنها مستوحاة من عدادات مواقف السيارات، مع بعضها البعض. بالإضافة إلى ذلك، لا تتطابق الكتابة على المتاجر القريبة مع الكتابة الحقيقية، وهو مؤشر شائع على أن الصورة أو الفيديو قد تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي.
تفاصيل تكشف زيف الصورة
عند التكبير، يظهر أن يد المرأة في الصورة تخترق صندوق البريد، بينما لا تلامس قدما الرجل الأرض. كما يظهر ما يبدو أنه محفظة كبيرة الحجم معلقة من أحد مداخل الجهاز، على الرغم من عدم وجود شخص يقف بجوارها. هذه التفاصيل غير المنطقية تعزز الشكوك حول صحة الصورة.
ينتمي الحساب الذي نشر الصورة على فيسبوك، والذي يحمل اسم “Fact 27″، إلى الهند وينشر مجموعة متنوعة من الرسائل المصحوبة بصور تدعي أشياء غريبة. على سبيل المثال، تدعي صورة أخرى وجود مسارح أوبرا في إيطاليا تحول غرف تغيير الملابس إلى نزل مؤقتة، على الرغم من عدم وجود تقارير إعلامية عامة تؤكد ذلك.
يُعرف هذا النوع من المحتوى باسم “الخردة الرقمية” (AI slop)، وهو محتوى رقمي يتم إنشاؤه باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي ذي جودة منخفضة وواضح الزيف. يروج هذا الحساب لمفاهيم خيالية حول دول مختلفة، مثل فكرة وجود شرفات في فنلندا تدور مع ضوء الشمس أو استخدام أسطح المخابز في ألمانيا كمنصات للنوم.
بدأ هذا النوع من المحتوى في الانتشار لأن المبدعين كانوا مدفوعين لتحقيق الانتشار – إما للشهرة أو لتحقيق الدخل. غالبًا ما كانت الصور منخفضة الجودة والمصنوعة بشكل سيئ تنتشر على الإنترنت، مما يسمح للمبدعين بكسب المال بأقل جهد. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن الحركات السياسية، وخاصة اليمين المتطرف، تستخدم هذا المحتوى لزيادة التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي.
سياسات ميتا بشأن المحتوى المُنشأ بالذكاء الاصطناعي
أظهرت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد العام الماضي أن أكثر من 100 صفحة على فيسبوك تنشر بانتظام محتوى مُنشأ بالذكاء الاصطناعي جذبت مئات الملايين من التفاعلات وكانت من بين أكثر المحتويات مشاهدة على فيسبوك. تتماشى هذه النتائج مع تصريحات كونور هايز، نائب الرئيس السابق للمنتجات للذكاء الاصطناعي التوليدي في ميتا، الذي ذكر في مقابلة عام 2024 أن الشركة تتوقع أن توجد أنظمة الذكاء الاصطناعي على منصاتها بنفس طريقة وجود حسابات المستخدمين.
تقوم ميتا بوضع علامة “AI Info” على المحتوى غير المدفوع عندما تكتشف أنظمة الشركة أنه تم إنشاؤه باستخدام أدوات خارجية. قد يظهر أيضًا معلومات حول التعديل إذا تم تعديل المحتوى بواسطة الذكاء الاصطناعي. يمكن للمستخدمين أيضًا إضافة علامة بأنفسهم. وفقًا لميتا، قد يتطلب المحتوى غير المدفوع على فيسبوك وإنستغرام وثريدز علامة ذكاء اصطناعي عندما يكون فيديو واقعيًا للغاية أو صوتيًا واقعيًا للغاية.
ومع ذلك، لا ينطبق هذا الشرط على الصور، والتي لا يتم وضع علامة عليها عادةً إلا إذا اكتشفت أنظمة ميتا إشارات إلى أنها تم تعديلها باستخدام الذكاء الاصطناعي. هذا يعني أن انتشار الصور المُنشأة بالذكاء الاصطناعي قد يستمر دون رقابة كافية.
من المتوقع أن تواصل ميتا تطوير سياساتها المتعلقة بالمحتوى المُنشأ بالذكاء الاصطناعي، مع التركيز على الشفافية وتحديد المحتوى المضلل. ومع ذلك، يظل التحدي كبيرًا، حيث يتطور الذكاء الاصطناعي باستمرار ويصبح من الصعب بشكل متزايد التمييز بين المحتوى الحقيقي والمحتوى المُنشأ بالذكاء الاصطناعي. يجب على المستخدمين توخي الحذر وتقييم مصادر المعلومات قبل تصديق أي ادعاءات تنتشر عبر الإنترنت.










