تضغط الولايات المتحدة على الاتحاد الأوروبي لتخفيف تطبيق قواعده الرقمية الصارمة على شركات التكنولوجيا الكبرى مقابل تخفيف الرسوم الجمركية، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في بروكسل. وتأتي هذه المطالبات في الوقت الذي يسعى فيه مسؤولون أوروبيون وأمريكيون إلى تحسين شروط اتفاق تجاري مُبرم مؤخراً، بينما تشدد أوروبا على أهمية الحفاظ على قوانينها الرقمية لحماية المستهلكين وتعزيز المنافسة العادلة في القواعد الرقمية.
عقد مسؤولون أوروبيون ونظراؤهم الأمريكيون اجتماعاً في بروكسل يوم الاثنين، وهو الأول منذ أن وافق الاتحاد الأوروبي في يوليو على صفقة تفرض رسوماً جمركية بنسبة 15٪ على المنتجات الأوروبية، مع تعهدات بشراء الطاقة والأسلحة والاستثمار بكثافة في الولايات المتحدة. ويشمل هذا الجدل تحديداً قانون الأسواق الرقمية وقانون الخدمات الرقمية.
ضغط أمريكي لتخفيف القواعد الرقمية مقابل تخفيف الرسوم الجمركية
التقى ماروش شيفتشوفيتش، مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي، هوارد لوتنيك، وزير التجارة الأمريكي، وجاميسون جرير، ممثل الولايات المتحدة للتجارة، يوم الاثنين. وشدد لوتنيك، المقرب من الرئيس دونالد ترامب والذي تفاوض نيابة عنه على اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي في الصيف، على أن أوروبا يجب أن تعيد تقييم الطريقة التي تنفذ بها سياساتها الرائدة في مجال التنظيم الرقمي إذا أرادت مزيداً من التخفيف في الرسوم الجمركية.
لم يطالب لوتنيك بإلغاء القواعد، لكنه قال إن طريقة تطبيقها يجب أن تكون “أكثر توازناً” لشركات التكنولوجيا الأمريكية. وتسعى بروكسل بشدة للحصول على تخفيض للرسوم الجمركية البالغة 50٪ التي فرضتها إدارة ترامب على الألومنيوم والصلب الأوروبي في يونيو تحت ضغط من الصناعة.
واضاف لوتنيك للصحفيين في بروكسل: “لا ترغب الولايات المتحدة في أن يتخلى الاتحاد الأوروبي عن هذه القواعد، بل في إيجاد نهج متوازن يناسبنا”. “ثم سنتعامل مع قضايا الصلب والألومنيوم معاً”.
في محاولة لمواجهة الضغط الأمريكي على تشريعاتها الرقمية، قال مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي، شيفتشوكيتش، إن الاتحاد الأوروبي يعمل بجد لشرح تشريعاته للولايات المتحدة، وأكد أنه لا توجد ممارسات تمييزية تطبق على الشركات الأمريكية. وأشار إلى أن القواعد هي نفسها للجميع العاملين في السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي بغض النظر عن أصلهم.
أهمية قوانين الأسواق والخدمات الرقمية
أكدت مفوضة التكنولوجيا بالاتحاد الأوروبي، هينا فيرككونن، في بيان، على أهمية قانون الأسواق الرقمية وقانون الخدمات الرقمية، وهما التنظيمان الرقميان الرائدان اللذان تم تطبيقهما في الاتحاد الأوروبي. وتشير هذه التصريحات إلى أن المفوضية ليست مستعدة لتخفيفهما بشكل أكبر في الوقت الحالي.
ويرى البعض في واشنطن أن هذه القواعد تمثل هجوماً على المصالح الاقتصادية الأمريكية، خاصةً وأنها تهدف إلى كبح جماح شركات التكنولوجيا العملاقة. هذا الجدل أخذ بُعداً أكبر إثر تفويض مارغريت فيستاغر، المفوضة السابقة للاتحاد الأوروبي لشؤون المنافسة، التي اشتهرت بفرض غرامات لمكافحة الاحتكار على شركات مثل جوجل وآبل وميتا وأمازون.
إرث فيستاغر والتأثير على المنافسة الرقمية
أفادت فيستاغر، التي شغلت منصب المفوضة الأوروبية من عام 2014 إلى 2024، في تصريحات لشبكة يورونيوز بأن الاتحاد الأوروبي يجب أن يلتزم بقوانينه الرقمية الرائدة. وأوضحت: “هذا ليس جنوناً، ولا يعارض أحداً. إنه أمر طبيعي. إنه ما تطلبه في سوق طبيعية”.
وشددت على أن “وعوداً قُطعت للأوروبيين بأن الخدمات الرقمية ستكون آمنة للاستخدام”. وأضافت: “لقد وعدنا الأوروبيين بأن خدماتهم ستكون آمنة للاستخدام من أجل صحتهم العقلية ومن أجل الديمقراطية، وهذا أمر أساسي في أي ديمقراطية بأن تفي بالوعود التي قُطعت”.
يتناول هذا الخلاف قضايا رئيسية تتعلق بالسيادة الرقمية والمنافسة في السوق العالمية. فالولايات المتحدة تسعى لحماية شركاتها التكنولوجية من القيود الأوروبية، في حين يصر الاتحاد الأوروبي على أن قوانينه ضرورية لضمان بيئة رقمية عادلة وآمنة للمستهلكين والشركات. هذا الجدل مرتبط أيضاً بالمفاوضات الأوسع حول السياسات التجارية بين الجانبين.
يرى محللون أن هذا الموقف قد يؤدي إلى تصعيد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، يثير هذا الخلاف تساؤلات حول مستقبل التعاون التنظيمي في المجال الرقمي.
من المتوقع أن تستمر المشاورات بين الجانبين الأمريكي والأوروبي في الأسابيع القادمة. يبقى من غير المؤكد ما إذا كان سيتم التوصل إلى حل وسط مقبول للطرفين، أو ما إذا كانت هذه القضية ستؤدي إلى مزيد من الخلافات. من بين الأمور التي يجب مراقبتها رد فعل الكونجرس الأمريكي، وموقف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وأي تطورات جديدة في المفاوضات التجارية الثنائية.










