يتجه الاتحاد الأوروبي نحو مواجهة حاسمة بشأن اتفاقية “ميركوسور” للتجارة الحرة مع دول أمريكا الجنوبية، في ظل مخاوف متزايدة من تأثيرها على المزارعين الأوروبيين. يطالب العديد من النواب الأوروبيين بإعادة النظر في ميزانية الاتحاد، خاصةً فيما يتعلق بالسياسة الزراعية المشتركة، لحماية القطاع الزراعي من المنافسة غير العادلة المحتملة. هذه القضية، التي تتفاقم مع اقتراب موعد التصويت عليها، تثير جدلاً واسعاً حول مستقبل السياسة الزراعية في أوروبا.
من المتوقع أن يصوت البرلمان الأوروبي هذا الأسبوع على بند حماية يهدف إلى مراقبة أي اضطرابات في السوق قد تنجم عن واردات “ميركوسور”. في الوقت نفسه، تستعد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لاتخاذ موقفها الرسمي في المجلس الأوروبي. يأتي هذا في ظل توقعات بزيارة لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى أمريكا اللاتينية لتوقيع الاتفاقية في مدينة فوز دو إيغواسو على الحدود بين الأرجنتين والباراغواي.
مخاوف المزارعين الأوروبيين من اتفاقية ميركوسور
تُعد اتفاقية “ميركوسور”، التي تم التوصل إليها في عام 2024 بين المفوضية الأوروبية ودول الأرجنتين والبرازيل وباراغواي والأوروغواي، بمثابة منطقة تجارة حرة عبر الأطلسي. ومع ذلك، يرى العديد من المزارعين الأوروبيين أن الاتفاقية ستعرضهم لمنافسة غير عادلة، حيث أن الواردات من دول أمريكا الجنوبية قد تكون أكثر تنافسية في السوق الأوروبية بسبب تكاليف الإنتاج الأقل.
وفقًا لنائب البرلمان الأوروبي النمساوي توماس وايتز، فإن خفض تمويل السياسة الزراعية المشتركة بنسبة 20%، أو 40% مع احتساب التضخم، سيضر بالمزارعين لصالح عدد قليل من الشركات الوطنية أو الصناعات الأوروبية الكبرى. ويضيف وايتز أن الشركات الزراعية الكبيرة هي التي ستستفيد من الاتفاقية، بينما سيتحمل المزارعون الصغار والمتوسطون التكاليف.
احتجاجات متوقعة وتصعيد الموقف
من المقرر أن يشهد يوم الخميس المقبل احتجاجات واسعة النطاق من قبل المزارعين الأوروبيين تزامنًا مع اجتماع القادة الوطنيين للاتحاد الأوروبي. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق قبل ذلك، فمن المتوقع أن تصبح هذه القضية على رأس جدول أعمال القمة، مع توقعات بمفاوضات مكثفة.
ومع ذلك، فإن التصديق الكامل على الاتفاقية يتطلب موافقة أغلبية مؤهلة من الدول الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي. وتظل فرنسا معارضة بشدة للاتفاقية وتسعى إلى تأجيل التصويت في المجلس. كما انضمت المجر وبولندا والنمسا إلى المزارعين في معارضتهم للاتفاقية.
تباين في المواقف بين الدول الأعضاء
في المقابل، لم توضح أيرلندا وهولندا، اللتان كانتا تنتقدان الاتفاقية في السابق، موقفهما حتى الآن. كما أن المزارعين الإيطاليين يعبرون عن معارضتهم، مما يضغط على رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني للإعلان عن موقفها. وتشير التقارير إلى أن بعض الدول تخشى تأثير الاتفاقية على الإنتاج الغذائي المحلي.
يؤكد وايتز أن فقدان المزارعين يعني فقدان المناطق الريفية والقدرة على توفير الغذاء للسكان بشكل مستقل. ويضيف أن دعم المزارعين ضروري للحفاظ على الأمن الغذائي في أوروبا.
تأثيرات محتملة على السياسة الزراعية
تأتي هذه المناقشات في وقت يشهد فيه القطاع الزراعي الأوروبي تحديات متزايدة، بما في ذلك تغير المناخ وارتفاع تكاليف الإنتاج. ويرى البعض أن اتفاقية “ميركوسور” قد تؤدي إلى تفاقم هذه التحديات، بينما يرى آخرون أنها قد تفتح فرصًا جديدة للنمو والتوسع في الأسواق الخارجية.
بالإضافة إلى ذلك، يثير الاتفاق تساؤلات حول معايير الاستدامة البيئية والاجتماعية في إنتاج الغذاء. وتطالب بعض المنظمات بضمان أن تكون الواردات من دول “ميركوسور” متوافقة مع المعايير الأوروبية في مجالات مثل حماية الغابات وحقوق العمال.
من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة تطورات حاسمة في هذا الملف. وسيكون من المهم مراقبة مواقف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا وإيطاليا، بالإضافة إلى نتائج التصويت في البرلمان الأوروبي. يبقى من غير الواضح ما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن اتفاقية “ميركوسور”، وما إذا كانت ستؤثر على مستقبل الزراعة المستدامة في أوروبا.










