تم انتخاب كيرياكوس بييراكاكيس، وزير المالية اليوناني، رئيسًا لمجموعة اليورو (Eurogroup) يوم الخميس، في خطوة تعكس التحول الإيجابي الذي شهدته اليونان بعد عقد من الزمن على كادت أن تخرج فيه من منطقة اليورو بسبب أزمة اقتصادية عميقة. ويأتي هذا الاختيار في وقت تواجه فيه منطقة اليورو تحديات اقتصادية متزايدة، مما يجعل دور رئيس مجموعة اليورو بالغ الأهمية.
وسيتولى بييراكاكيس مهامه رسميًا في الثاني عشر من ديسمبر القادم، خلفًا لباشكال دونوهو الذي استقال لتولي منصب رفيع في البنك الدولي في واشنطن. يُتوقع أن يلعب بييراكاكيس دورًا محوريًا في تنسيق السياسات الاقتصادية بين دول منطقة اليورو، وتعزيز الاستقرار المالي، ومواجهة التحديات الخارجية.
انتخاب بييراكاكيس ورسالة الثقة في الاقتصاد اليوناني
أظهر اختيار بييراكاكيس تقديرًا من وزراء مالية منطقة اليورو للإصلاحات التي نفذتها اليونان في السنوات الأخيرة، والتي ساهمت في استعادة الثقة في اقتصاد البلاد. ووفقًا لمصادر مطلعة، رأى الوزراء في بييراكاكيس شخصية قادرة على تمثيل مصالح جميع الدول الأعضاء، وقيادة مجموعة اليورو نحو مستقبل أكثر ازدهارًا.
هذا الانتخاب يحمل دلالات خاصة لليونان، حيث يمثل اعترافًا بجهودها في التغلب على الأزمة الاقتصادية، ويعزز مكانتها في قلب صنع القرار الاقتصادي في منطقة اليورو. كما أنه يعكس تحولًا في النظرة إلى اليونان، من دولة تعاني من الديون والمشاكل الاقتصادية، إلى شريك موثوق به وقادر على المساهمة في استقرار منطقة اليورو.
منافسة على الرئاسة وتأثير القضايا السياسية
تنافس بييراكاكيس على منصب رئيس مجموعة اليورو مع فنسنت فان بيتيجيم، وزير الميزانية البلجيكي. ومع ذلك، واجه ترشيح فان بيتيجيم بعض العقبات بسبب الخلافات السياسية حول قرض لتمويل أوكرانيا، والذي تعارضه بلجيكا بينما تدعمه معظم الدول الأعضاء الأخرى.
أشار دبلوماسي مطلع إلى أن فان بيتيجيم كان يتمتع بسمعة جيدة بين زملائه نظرًا لكفاءته في التعامل مع الملفات المالية خلال رئاسة بلجيكا الدورية للاتحاد الأوروبي. لكن بييراكاكيس بدا في النهاية مرشحًا توافقيًا أكثر، وحظي بأغلبية كبيرة من الأصوات.
أولويات رئيس مجموعة اليورو الجديد
في بيان صدر بعد انتخابه، أعرب بييراكاكيس عن شكره لوزراء مالية منطقة اليورو، وأوضح رؤيته السياسية للمرحلة القادمة. وشدد على أهمية تجاوز الانقسامات القديمة بين دول شمال وجنوب أوروبا، وبين الدول الغربية والشرقية، مؤكدًا أن التحديات التي تواجه المنطقة هي تحديات مشتركة.
أكد بييراكاكيس دعمه لتقرير دراجي، الذي أعده رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي، والذي يدعو إلى إجراء تغييرات جذرية في الاتحاد الأوروبي لتجنب الركود الاقتصادي. وقال بييراكاكيس: “نحن نعلم ما يجب علينا فعله”.
وأضاف أنه يخطط للتركيز على تحقيق أهداف اتحاد أسواق رأس المال، واتحاد الاستثمار، والسوق الموحدة، واليورو الرقمي، وتعزيز الأسس المالية لمنطقة اليورو، مع تحقيق النمو في الوقت نفسه. وتعتبر هذه الأهداف حاسمة لمواجهة التحديات الاقتصادية المتزايدة، مثل صعود الصين في الأسواق العالمية، والرسوم الجمركية الأمريكية.
من المتوقع أن يواجه بييراكاكيس تحديات كبيرة في منصبه الجديد، بما في ذلك إدارة الديون المرتفعة في بعض دول منطقة اليورو، ومواجهة التضخم، وتعزيز النمو الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، سيتولى بييراكاكيس رئاسة آلية الاستقرار الأوروبي (European Stability Mechanism)، وهي صندوق الإنقاذ الخاص بمنطقة اليورو.
تتزايد أهمية دور مجموعة اليورو في ظل التغيرات الاقتصادية والسياسية العالمية. فالمنطقة تواجه ضغوطًا متزايدة من المنافسة الصينية والسياسات التجارية الأمريكية، بالإضافة إلى التحديات الداخلية المتعلقة بالديون والنمو الاقتصادي.
الخطوة التالية المتوقعة هي تولي بييراكاكيس مهامه رسميًا في 12 ديسمبر، حيث سيبدأ على الفور في العمل مع وزراء مالية منطقة اليورو لتحديد الأولويات وتنفيذ السياسات اللازمة لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي. وسيكون من المهم مراقبة قدرته على بناء توافق في الآراء بين الدول الأعضاء، والتعامل مع التحديات المعقدة التي تواجه منطقة اليورو.
يبقى مستقبل منطقة اليورو غير مؤكد، لكن انتخاب بييراكاكيس يمثل خطوة إيجابية نحو تعزيز الاستقرار والنمو الاقتصادي. وسيتطلب الأمر جهودًا متواصلة وتعاونًا وثيقًا بين جميع الدول الأعضاء لتحقيق هذه الأهداف.










