في عام شهد انتعاشًا ملحوظًا في أسواق الأسهم الناشئة، تخلفت بورصة السعودية عن هذا الرالي، مسجلة أداءً ضعيفًا مقارنة بنظيراتها. يرى المستثمرون أن العوامل المؤثرة حاليًا لا تشير إلى تحسن كبير في أداء السوق خلال العام المقبل، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الاستثمار في الأسهم السعودية.
يعزو المحللون هذا التراجع إلى عدة عوامل، أبرزها استقرار أسعار النفط مع توقعات بانخفاضها في 2026، وفقًا لشركة تداول السلع “ترافيغورا”. بالإضافة إلى ذلك، لا تستفيد الأسهم السعودية من ضعف الدولار كما هو الحال في العديد من الأسواق الناشئة الأخرى، مما يزيد من الضغوط عليها.
ضغوط مستمرة على الأسهم السعودية
أوصى محللو “سيتي غروب” بتقليل الوزن النسبي للأسهم السعودية في المحافظ الاستثمارية، مشيرين إلى ضعف نمو الأرباح والزخم في السوق. ويعكس هذا التوصية نظرة متشائمة تجاه القدرة الحالية للسوق على تحقيق عوائد مجدية للمستثمرين.
وأكد نيناد دينيتش، استراتيجي الأسهم في الأسواق الناشئة لدى مصرف “بنك جوليوس باير آند كو”، أن الأسهم السعودية لا تزال “غير جذابة إلى حد ما” بسبب ارتباطها الوثيق بأسعار النفط، وعدم استفادتها من الظروف الاقتصادية العالمية المواتية للأسواق الناشئة الأخرى.
اقرأ أيضاً: بورصة السعودية تتراجع بضغط من قطاع الطاقة مع استمرار ضعف السيولة
يشهد مؤشر السوق المالية السعودية تراجعًا ملحوظًا هذا العام، حيث انخفض بنسبة 11%، وهو أكبر انخفاض منذ عام 2015. يعكس هذا الانخفاض حالة عدم اليقين السائدة في السوق، وتخوف المستثمرين من استمرار الضغوط على الأسهم.
توقعات نمو أرباح الشركات
تتوقع التقارير أن يكون نمو أرباح الشركات المدرجة في السوق السعودية ضعيفًا في العام المقبل، حيث يقدر بزيادة طفيفة تبلغ حوالي 2% فقط. هذا النمو المتوقع أقل بكثير من النمو المتوقع للشركات المدرجة في مؤشر “MSCI”، والذي يبلغ 13%.
تواجه المملكة العربية السعودية، باعتبارها أكبر دولة مُنتجة للنفط في العالم، ضغوطًا متزايدة نتيجة انخفاض أسعار خام برنت بنسبة 17%. يؤثر هذا الانخفاض على الإنفاق العام، ويقلل من أرباح الشركات، مما يزيد من المخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد السعودي.
قد يهمك: بنوك وول ستريت تتوقع مزيداً من الانخفاض بأسعار النفط في 2026
حساسية الأسهم السعودية لتحركات الدولار
أظهرت الأسهم السعودية حساسية متزايدة لتحركات الدولار الأميركي هذا العام، حيث تأثرت سلبًا بتقلبات العملة. وأشار المحللان لدى “سيتي”، ديفيد جرومان وراهول باجاج، إلى أن هذه الحساسية تزيد من المخاطر المرتبطة بالاستثمار في السوق السعودية.
ويرى سيباستيان كاهلفيلد، مدير محفظة لدى “دي دبليو إس انفستمنت”، أنه لا يوجد محفز على المدى القصير من شأنه دفع الأسهم السعودية للارتفاع. على الرغم من أن التقييمات أصبحت أكثر جاذبية، إلا أنه يعتبر هذا التحسن “غير كافٍ لإحداث إعادة تقييم جوهرية للأسهم”.
يتداول مؤشر السوق المالية السعودية حاليًا عند حوالي 15 ضعف الأرباح المتوقعة، وهو أقل من متوسطه خلال 10 سنوات البالغ نحو 16 ضعفًا. ومع ذلك، لا يزال هذا التقييم أعلى من تقييمات الأسهم في مؤشر الأسواق الناشئة المرجعي وكذلك مؤشر سوق دبي المالي.
وجهات نظر متباينة
على الرغم من النظرة السلبية السائدة، هناك بعض وجهات النظر المختلفة حول مستقبل بورصة السعودية. يعتقد جنيد أنصاري، مدير قسم استراتيجية الاستثمار والبحوث في “كامكو إنفست”، أن السوق السعودية شهدت عمليات بيع مكثفة أكبر من اللازم بسبب مخاوف مبالغ فيها بشأن أسعار النفط. ويتوقع إمكانية ارتفاع أسهم البنوك مع زيادة الإقراض والأرباح.
في المقابل، تتوقع “أموندي”، أكبر شركة لإدارة الأصول في أوروبا، أن تتبع أسهم المملكة إلى حد كبير أداء سوق النفط على المدى القريب. ومع ذلك، تشير إلى أن تنفيذ خطط المملكة لإزالة قيود ملكية الأجانب على الأسهم قد يشكل نقطة تحول في السوق.
وأوضح مارسين فييكا، رئيس قسم الأسهم في منطقة وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى الشركة، أن هذا الإجراء قد “يشكل حدثًا محفزًا، لا سيما للأسهم ذات نسبة التداول الحر الأكبر، مثل أسهم القطاع المالي”. لكنه لا يتوقع حدوث هذه التغييرات خلال النصف الأول من عام 2026.
ارتفعت الأسهم السعودية في سبتمبر بعد أن أفادت “بلومبرغ” بأن المملكة قد تخفف قريباً القيود على ملكية الأجانب. إلا أن هذه المكاسب تبددت بعد تصريح مسؤول في أحد الجهات التنظيمية بأن صانعي السياسات لم يقرروا بعد ما إذا كانوا سيزيلون السقف الحالي للملكية أم يرفعونه تدريجياً خلال عام 2026.
اقرأ أيضاً: القويز: مراجعة ملكية الأجانب في الأسهم السعودية ستُحسم في 2026
تخفيض الوزن النسبي للأسهم السعودية
فضل عدنان العربي، مدير استثمار في شركة “بارينغز أسيت مانجمنت”، خفض الوزن تجاه الأسهم السعودية، مشيرًا إلى أنها شهدت تخفيضات في الأرباح نتيجة عوامل اقتصادية كلية وجزئية. وأضاف أن عدم الاتساق في التواصل بشأن خطة السعودية لفتح سوقها أمام الأجانب لم يدعم تحسن أسعار الأسهم أو جذب استثمارات جديدة.
واختتم العربي قائلاً: “لن نزيد من حجم استثماراتنا في الأسهم السعودية قبل عام 2026. وسيعتمد بناء محافظنا الاستثمارية على توقعات الأرباح للشركات كل على حدة”.
قد يهمك: بعدما قفزت استثماراتهم 3 مرات خلال عقد.. ماذا يعني تحرير سقف ملكية الأجانب في السوق السعودية؟
بشكل عام، يظل مستقبل الاستثمار في بورصة السعودية غير واضحًا. يعتمد الكثير على تطورات أسعار النفط، وقرارات الحكومة بشأن فتح السوق أمام الأجانب، وقدرة الشركات السعودية على تحقيق نمو في الأرباح. من المتوقع أن يستمر المستثمرون في مراقبة هذه العوامل عن كثب لاتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة. الخطوة التالية الحاسمة ستكون الإعلان عن تفاصيل خطة رفع قيود ملكية الأجانب، وهو ما قد يحدث في أي وقت خلال عام 2026، مع بقاء احتمالات التأجيل واردة.










