شهدت الصادرات السعودية إلى سوريا نمواً ملحوظاً خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، حيث تجاوزت قيمتها 1.2 مليار ريال سعودي. هذا الارتفاع، الذي يمثل أكثر من ضعف حجم الصادرات في عام 2024، يعكس قوة العلاقات التجارية المتنامية بين البلدين، على الرغم من التحديات الاقتصادية واللوجستية المستمرة في سوريا. يأتي هذا التطور في ظل جهود مشتركة لتعزيز التعاون الاقتصادي وتسهيل حركة التجارة والاستثمار.
أعلن وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، عن هذا النمو خلال مشاركته في معرض “صنع في السعودية” وجلسة نقاشية مع وزير الاقتصاد والصناعة السوري، محمد نضال الشعار. وأشار الخريف إلى أن هذا الأداء الإيجابي يظهر الفرص المتاحة للتعاون المتبادل، حتى في ظل صعوبات تحويل الأموال والعقبات الأخرى التي تواجه التجارة مع سوريا.
تعزيز العلاقات التجارية السعودية السورية
بلغت قيمة الصادرات السعودية إلى سوريا في عام 2024 بأكمله 558 مليون ريال سعودي، وفقًا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية. وتصدرت اللدائن ومصنوعاتها قائمة الصادرات، تليها منتجات البن والشاي والبهارات والتوابل، ثم منتجات الخزف والفواكه والمواد الكيميائية غير العضوية.
يعكس هذا النمو في التبادل التجاري تحسناً في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الرياض ودمشق، بعد فترة من التوتر. وقد شهدت الأشهر الأخيرة مبادرات لتعزيز التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك الاستثمار وإعادة الإعمار.
التركيز على الصناعات الصغيرة والمتوسطة
أكد وزير الاقتصاد والصناعي السوري، محمد نضال الشعار، أن عجلة الإنتاج بدأت في الدوران مجدداً في سوريا، لكنها لا تزال بحاجة إلى دعم وتعزيز لاستعادة طاقتها الكاملة. وأشار إلى أهمية ما وصفه بـ “الكوريدور السعودي السوري” كمنصة لتعزيز التعاون، خاصة في مجال نقل التكنولوجيا والاستفادة من الخبرات السعودية.
تركز سوريا حالياً على تطوير الصناعات الخفيفة والمتوسطة، بالإضافة إلى دعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر. وقد تم بالفعل تشغيل حوالي 1200 مصنع جديد للإنتاج والتصدير، بعد إصدار ما يقرب من 2500 ترخيص صناعي. هذا التوجه يهدف إلى تنويع الاقتصاد السوري وتقليل الاعتماد على القطاعات المتضررة من الحرب.
وفي مدينة حلب، المركز الصناعي الرئيسي في سوريا، يوجد حاليًا حوالي 540 مصنعًا في حالة إنتاج شبه كاملة. ومع ذلك، يرى الشعار أن الأمر سيستغرق بعض الوقت لتحقيق التعافي الكامل للقطاع الصناعي السوري. وتشير التقديرات إلى أن إعادة إعمار سوريا ستحتاج إلى استثمارات ضخمة، وأن دور القطاع الخاص السعودي سيكون حاسماً في هذه العملية.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل الحكومتان على تسريع تطبيق نماذج ناجحة في المملكة العربية السعودية، مثل المدن الصناعية، وتمويل الصادرات، وهيئة تنمية الصادرات، وهيئة المحتوى المحلي. هذه المبادرات تهدف إلى تحسين بيئة الأعمال في سوريا وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر.
تعتبر الاستثمارات السعودية في سوريا ذات أهمية خاصة في الوقت الحالي، حيث تسعى دمشق إلى جذب رؤوس الأموال لتلبية احتياجات إعادة الإعمار والتنمية. وتشمل القطاعات الواعدة للاستثمار في سوريا الطاقة، والبنية التحتية، والسياحة، والصناعات الغذائية. كما أن هناك اهتماماً متزايداً بالاستثمار في قطاع العقارات، خاصة في المناطق التي شهدت تدميراً كبيراً خلال الحرب.
وتشير التقارير إلى أن السعودية وسوريا بصدد إتمام تحويل استثمارات بقيمة 6.4 مليار دولار أمريكي إلى مشاريع مختلفة في سوريا. هذه الاستثمارات من المتوقع أن تساهم في خلق فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة في البلاد. وتعتبر هذه الخطوة بمثابة إشارة قوية على التزام المملكة بدعم جهود التنمية في سوريا.
من المتوقع أن تستمر العلاقات الاقتصادية السعودية السورية في النمو خلال الفترة القادمة، مع استمرار الجهود المبذولة لتذليل العقبات وتسهيل حركة التجارة والاستثمار. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه التعاون الاقتصادي بين البلدين، بما في ذلك الوضع الأمني المتدهور في بعض المناطق السورية، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وصعوبة الحصول على التمويل اللازم للمشاريع الاستثمارية. سيراقب المراقبون عن كثب التقدم المحرز في تنفيذ المشاريع الاستثمارية المعلن عنها، والتطورات السياسية والأمنية في سوريا، وتأثيرها على مستقبل التعاون الاقتصادي بين البلدين.










