تتزايد المخاوف بشأن سلامة الغذاء في الولايات المتحدة، حيث يحذر الخبراء من أن بعض الأطعمة التي يعتبرها الأمريكيون “صحية” قد تشكل مخاطر كبيرة للإصابة بالأمراض المنقولة بالغذاء. وتشمل هذه الأطعمة، وفقًا للتقارير، السلطات والخضروات الورقية واللحوم المصنعة، وهي عناصر يومية يمتنع بعض المتخصصين عن تناولها بأنفسهم بسبب المخاطر المحتملة. تعتبر الأمراض المنقولة بالغذاء مشكلة صحية عامة مهمة تتطلب وعيًا مستمرًا وتدابير وقائية.
أحد المحامين في سياتل، الذي يمثل العملاء في قضايا تفشي الأمراض المنقولة بالغذاء منذ عقود، صرح مؤخرًا لصحيفة واشنطن بوست بأنه يطلب دائمًا طهي اللحوم بشكل كامل، حتى أنه يفضل اللحم المُحمر جيدًا على الرغم من انتقادات الطهاة. ويُفسر هذا الإجراء بأنه “خطر مهني” ضروري لحماية صحته.
مخاطر كامنة في الأطعمة الشائعة: نظرة على الأمراض المنقولة بالغذاء
وأشار المحامي إلى أنه لم يعد يتناول السلطات المعبأة أو أكواب الفاكهة أو الأطباق الجاهزة، بالإضافة إلى البراعم النيئة التي غالبًا ما تُقدم في السندويشات والسلطات. ويرجع ذلك إلى أن هذه الأطعمة مرتبطة بشكل متكرر بالتلوث المتبادل وتفشي مسببات الأمراض مثل الليستيريا والإشريكية القولونية والسالمونيلا.
على الرغم من أن العديد من المستهلكين يعتبرون الخضروات الورقية خيارًا آمنًا، إلا أن المحامي يتجنبها تمامًا عند تناول الطعام في الخارج. ويؤكد خبراء آخرون على هذا الرأي، مشيرين إلى أن الأطعمة الأكثر خطورة قد لا تكون تلك التي يتوقعها المستهلكون.
تغير أنماط تفشي الأمراض
يُعزى هذا التحول في المخاطر إلى التغيرات في أنماط تفشي الأمراض، وفقًا لبريان كوك لي، عالم الغذاء في شركة Mendocino Food Consulting في كاليفورنيا. فقد انخفضت مخاطر اللحوم المفرومة بسبب إجراءات الفحص والطهي الأكثر صرامة، بينما تفتقر الخضروات الورقية إلى “خطوة حرارية” وتتعرض للتلوث في مراحل مبكرة من سلسلة التوريد، حيث يصعب تطبيق الرقابة.
تخضع الخضروات الورقية أيضًا لمعالجة مركزية، حيث يتم خلطها بكميات كبيرة وشحنها عبر البلاد. وهذا يزيد من خطر انتشار التلوث على نطاق واسع، حيث يمكن أن يؤثر حدث تلوث واحد على عدد كبير من الأشخاص قبل اكتشافه. تعتبر النظافة الشخصية في أعداد هذه الخضروات من الأمور التي تثير القلق.
في التسعينيات، كانت البرغر تعتبر أكبر تهديد لسلامة الغذاء، خاصة بعد تفشي الإشريكية القولونية عام 1993 الذي أرسل أكثر من 170 شخصًا إلى المستشفى وأودى بحياة أربعة أطفال. لكن بعد تطبيق لوائح أكثر صرامة وتحسينات كبيرة في مجال السلامة، انخفضت حالات المرض المرتبطة بالبرغر بشكل ملحوظ.
أما اليوم، فيشير جيسون ريز، خبير سلامة الغذاء ومحامي متخصص في قضايا الإصابات الشخصية في إنديانا، إلى أن الخس والخضروات الورقية الأخرى تسبب عددًا أكبر من حالات التفشي مقارنة بالبرغر. ويرجع ذلك إلى أنها تزرع بالقرب من مزارع الماشية، ويمكن أن تتلوث بمياه الري، وتُستهلك نيئة دون أي خطوات طهي لقتل مسببات الأمراض. يؤكد ريز أن “الخس الموجود فوق تلك البرغر هو الجاني”.
ويضيف ريز أنه لا يتناول السلطات أو الخس المعبأ أثناء تناول الطعام في الخارج، مشيرًا إلى أن رؤية الضحايا الذين يمثلهم يعانون من الفشل الكلوي ويحتاجون إلى غسيل الكلى مدى الحياة بسبب سلطة مطعم واحدة أمر مفجع. ويعرب عن أسفه لأن معظم الأمريكيين لا يعتقدون أن هذا قد يحدث لهم، لكن الأرقام تثبت خلاف ذلك.
وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإن حوالي 48 مليون أمريكي يصابون بالتسمم الغذائي كل عام، أي ما يعادل شخصًا واحدًا من بين كل ستة أشخاص. وتؤدي هذه الأمراض إلى ما يقدر بنحو 128 ألف حالة دخول المستشفى و 3 آلاف حالة وفاة. وتؤكد الوكالة أن إمدادات الغذاء الأمريكية لا تزال من بين الأكثر أمانًا في العالم، لكن المنتجات الغذائية تمثل نسبة كبيرة من الحالات، وخاصة نوروفيروس، وهو السبب الرئيسي للالتهابات المعوية في البلاد.
ويشدد الخبراء على أن خطر الإصابة بهذه الأمراض يزداد بشكل خاص بالنسبة للأطفال الصغار والنساء الحوامل وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة. ويعتبر هذا الأمر “غير جدير بالمخاطرة”، على حد تعبيرهم.
تتفق تينا ماريناتشيو، أخصائية التغذية ومفتشة سلامة الغذاء السابقة في نيو جيرسي، مع هذه الآراء. وتقول إن معظم الأمريكيين يفتقرون إلى المعرفة حول ما يحدث لطعامهم قبل أن يصل إلى أطباقهم. لكنها تختلف مع رأي المحامي بشأن ضرورة طهي شرائح اللحم جيدًا، مشيرة إلى أنه إذا لم يكن الشخص يعاني من ضعف في جهاز المناعة أو حاملًا، فيمكنه الاستمتاع باللحم النادر.
وتوضح ماريناتشيو أن الإشريكية القولونية يمكن قتلها على السطح أثناء الطهي العادي، لكن القلق الحقيقي يكمن في اللحوم المفرومة، حيث يمكن أن تنتشر البكتيريا في جميع أنحاء اللحم ويجب أن تصل درجة الحرارة إلى 160 درجة فهرنهايت لضمان سلامتها.
على الرغم من هذه المخاطر، يؤكد الخبراء على أن العديد من الأمراض المنقولة بالغذاء يمكن الوقاية منها. ويشددون على أهمية غسل اليدين بشكل صحيح وتدريب العاملين على ارتداء القفازات بشكل صحيح، حيث أن سوء النظافة هو أحد الأسباب الرئيسية للتلوث. بالإضافة إلى ذلك، يوصون بطهي اللحوم جيدًا، والتعامل مع السلطات المعبأة كأطعمة عالية الخطورة، وتقطيع الخضروات في المنزل لتقليل فرص التلوث.
من المتوقع أن تواصل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) مراقبة أنماط تفشي الأمراض المنقولة بالغذاء وتحديث الإرشادات المتعلقة بسلامة الغذاء. كما من المرجح أن تشهد الولايات المتحدة المزيد من النقاش حول اللوائح المتعلقة بإنتاج وتوزيع الأطعمة الطازجة، مع التركيز بشكل خاص على الخضروات الورقية. ستظل مراقبة التطورات في هذا المجال أمرًا بالغ الأهمية لضمان سلامة إمدادات الغذاء وحماية صحة المستهلكين.










