يشهد المشهد السياسي في المملكة المتحدة تصاعدًا في الخلافات حول الهوية الوطنية ورمزها، وهو العلم البريطاني. وتأتي هذه القضية لتزيد من حدة الانقسامات القائمة، خاصةً مع مواجهة حكومة العمال المتزايدة للانتقادات بشأن قضايا مختلفة، بدءًا من تقييد حرية التعبير وصولًا إلى سياسات الهجرة. يثير هذا الجدل قلق العديد من البريطانيين بشأن مستقبل بلادهم وتماسكها الاجتماعي.
جدل حول العلم البريطاني والهوية الوطنية
تصاعدت حدة الجدل حول العلم البريطاني خلال الأشهر الأخيرة، خاصةً بعد اندلاع الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023. وشهدت المملكة المتحدة انتشارًا واسعًا للأعلام الفلسطينية، مما أثار ردود فعل متباينة في المجتمع.
كما أثار عرض الأعلام الفلسطينية على المباني الحكومية انتقادات واسعة، حيث اعتبر البعض ذلك بمثابة تخلي عن القيم البريطانية التقليدية، وتأثير متزايد للجاليات المهاجرة على القيم المجتمعية. استجابت بعض المجالس المحلية للضغوط الشعبية وقررت رفع العلم الفلسطيني، خاصةً في المدن التي تضم جاليات مهاجرة كبيرة مثل شيفيلد وبريستون وبرادفورد.
ردود الفعل والانقسامات السياسية
أعرب معلقون ثقافيون عن قلقهم إزاء هذا التطور، مؤكدين على أهمية التماسك الوطني والاعتزاز بالرموز الوطنية. ودعا كولين برازير، وهو معلق متخصص في الثقافة البريطانية، إلى تبني “استراتيجية للتماسك الوطني” تتضمن حظر رفع الأعلام الأجنبية على المباني الممولة من دافعي الضرائب. واقترح أن تستلهم بريطانيا النموذج الأمريكي في بناء الأمة، مع التركيز على العودة إلى القيم الأساسية للمملكة المتحدة.
في المقابل، يرى البعض أن هذا الاهتمام المتزايد بالعلم البريطاني يمثل رد فعل عنصري ومعادٍ للهجرة. وحذروا من أن المملكة المتحدة تشهد انقسامًا متزايدًا، لدرجة أن رفع العلم البريطاني في الأماكن العامة أصبح أمرًا مثيرًا للجدل. ويرى هؤلاء أن بعض أجزاء البلاد تهتم بقضايا بعيدة عن حدودها أكثر من اهتمامها بالقضايا الداخلية.
وقد زاد من تعقيد الوضع اعتراف رئيس الوزراء كير ستارمر بدولة فلسطينية في سبتمبر الماضي. وفي خطاب ألقاه أمام مؤتمر حزب العمال السنوي، سعى ستارمر إلى استعادة الجذور الوطنية لحزبه، مؤكدًا على أهمية الوحدة الوطنية والاعتزاز بالرموز الوطنية. ودعا إلى رفع “جميع أعلامنا” باعتبارها “أعلامنا جميعًا” ورمزًا للانتماء الوطني.
لكن هذه المحاولات لم تلقَ قبولًا واسعًا من المعارضة. فقد انتقد لي أندرسون، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الإصلاح، خطاب ستارمر، مشيرًا إلى أن أعضاء حزب العمال أكثر ميلًا لرفع العلم الفلسطيني من رفع علم سانت جورج الإنجليزي. وأضاف أن هذا يعكس الكثير عن أولويات الحزب.
تشير التقارير إلى أن عدد المسلمين في المملكة المتحدة قد ازداد بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي، حيث ارتفع من حوالي 2.7 مليون في عام 2011 إلى حوالي 3.9 مليون في عام 2021، أي ما يمثل حوالي 6٪ من إجمالي السكان. هذا التغير الديموغرافي يثير تساؤلات حول مستقبل الهوية الوطنية في المملكة المتحدة.
أظهر استطلاع للرأي أجراه يوغوف اختلافات كبيرة في وجهات النظر حول العلم البريطاني وعلم إنجلترا. حيث يرى 58٪ من ناخبي حزب العمال أن علم إنجلترا يمثل رمزًا للعنصرية، بينما يرى ذلك 19٪ من ناخبي حزب المحافظين و 8٪ من ناخبي حزب الإصلاح. كما أظهر الاستطلاع أن غالبية البالغين من الأقليات العرقية يعتقدون أن رفع علم سانت جورج يعبر عن مشاعر معادية للمهاجرين والأقليات العرقية.
تداعيات مستقبلية
من المتوقع أن يستمر الجدل حول الهوية الوطنية ورموزها في المملكة المتحدة في ظل استمرار الانقسامات السياسية والاجتماعية. وستراقب الأوساط السياسية عن كثب ردود فعل المجالس المحلية على هذه القضية، وما إذا كانت ستتخذ خطوات لتقييد رفع الأعلام الأجنبية على المباني الحكومية. كما ستتابع تطورات الرأي العام حول هذه القضية، وتأثيرها على الانتخابات المحلية والبرلمانية القادمة. بالإضافة إلى ذلك، فإن مستقبل سياسات الهجرة في المملكة المتحدة، وتأثيرها على التركيبة السكانية، سيكون له دور كبير في تشكيل هذا النقاش.
الوضع الحالي يشير إلى أن هذه القضية ستظل قائمة على جدول الأعمال السياسي في المملكة المتحدة لفترة طويلة، وأنها ستتطلب حوارًا وطنيًا شاملًا لمعالجة المخاوف والقضايا المتعلقة بالهوية الوطنية والتنوع الثقافي.










