أدان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود اعتراف إسرائيل بمنطقة صوماليلاند الانفصالية، واصفًا إياه بأنه “انتهاك سافر” للسيادة الصومالية. وحذر من أن الصومال لن يسمح باستخدام أراضيه كقاعدة لإسرائيل لمواصلية حروبها الإقليمية. هذا الاعتراف، الذي أثار ردود فعل دولية واسعة، يمثل تصعيدًا في التوترات الجيوسياسية في منطقة القرن الأفريقي، ويثير تساؤلات حول مستقبل صوماليلاند وعلاقاتها مع المجتمع الدولي.
جاءت إدانة الرئيس الصومالي خلال جلسة مشتركة طارئة للبرلمان، حيث وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه ارتكب “أكبر تعدٍ” على سيادة الصومال في تاريخ البلاد، واصفًا إسرائيل بـ “العدو”. وقد أعلنت الحكومة الصومالية عن نيتها رفع الأمر إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والهيئات الإقليمية الأخرى.
اعتراف إسرائيل بصوماليلاند: تداعيات وتفاعلات دولية
أعلنت إسرائيل في وقت سابق من هذا الشهر إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع صوماليلاند، في خطوة وصفها نتنياهو بأنها تتماشى مع روح اتفاقيات أبراهام التي توسطت فيها الولايات المتحدة. تهدف هذه الاتفاقيات إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية. هذا الاعتراف يجعل إسرائيل أول دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف رسميًا بصوماليلاند، التي تسعى منذ أكثر من ثلاثة عقود للحصول على اعتراف دولي دون جدوى.
وأضاف الرئيس الصومالي أن إسرائيل تحاول استيراد صراعات الشرق الأوسط إلى الصومال، مؤكدًا أن بلاده لن تسمح باستخدام أراضيها كقاعدة عسكرية لشن هجمات على دول أخرى. كما دعا الصوماليين إلى وضع خلافاتهم “القبلية والإقليمية” جانبًا لمواجهة ما وصفه بأنه “تهديد وجودي” لوحدة البلاد. وشدد على ضرورة توحيد “الحكمة والقوة” للدفاع عن الوجود والسيادة الصومالية.
ردود فعل الصومال الرسمية
وقد أصدر البرلمان الصومالي قرارًا بالإجماع يصف اعتراف إسرائيل بأنه “باطل ولاغي”، على الرغم من أن هذا الإجراء يمثل رمزية كبيرة بالنظر إلى أن الصومال لم يسيطر على صوماليلاند منذ إعلانها الاستقلال في عام 1991، وهو الاستقلال الذي لم تعترف به الصومال مطلقًا. وينص القرار على أن أي أفراد أو مؤسسات تنتهك سيادة الصومال ستواجه عواقب قانونية بموجب القانون الجنائي للبلاد والقانون الدولي.
من جهته، صرح رئيس الوزراء الصومالي حمزة أبدّي لمجلة الجزيرة العربية بأن إسرائيل “تبحث عن موطئ قدم في القرن الأفريقي”، داعيًا إياها إلى الاعتراف بدولة فلسطينية بدلاً من ذلك. ويرى المراقبون أن هذا التصعيد يأتي في وقت حرج بالنسبة للصومال، الذي يواجه تحديات أمنية وسياسية واقتصادية متعددة.
تفاعلات إقليمية ودولية
في المقابل، دافع رئيس صوماليلاند، عبد الرحمن محمد عبد اللهي، المعروف محليًا باسم سيرو، عن خطوة الاعتراف الإسرائيلية، مؤكدًا أنها “ليست تهديدًا وليست عملاً عدائيًا” للدول المجاورة. وأضاف أن صوماليلاند “متجذرة بعمق في القيم الإسلامية المعتدلة والعدالة والتعايش”، وأنها لا تمثل تحالفًا ضد أي دولة أو مجتمع إسلامي.
وقد أثار قرار إسرائيل ردود فعل دولية سلبية فورية. فقد أصدرت 21 دولة عربية وإفريقية ومنظمة التعاون الإسلامي بيانًا مشتركًا في السبت يدين الاعتراف باعتباره انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. كما أعربت وزارة الخارجية الفلسطينية عن دعمها للصومال.
عقد قادة إقليميون، بمن فيهم رؤساء كينيا وأوغندا وتنزانيا وجيبوتي، مكالمات هاتفية مع الرئيس محمود لإعادة التأكيد على دعمهم لسيادة الصومال ووحدة أراضيها. إريتريا دعت بشكل منفصل الصين إلى اتخاذ إجراءات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مستشهدة بقضية تايوان كتناظر.
كما أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا يدعو إلى احترام سيادة الصومال، لكنه توقف عن إدانة خطوة إسرائيل. وشجع البيان السلطات في مقديشو وهارجيسة على الدخول في حوار. ويُذكر أن هذا الاعتراف الإسرائيلي يأتي في ظل حرب إبادة استمرت أكثر من عامين في غزة، أسفرت عن مقتل أكثر من 70 ألف فلسطيني.
تواجه إسرائيل تحقيقًا من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية، كما أن نتنياهو صدر بحقه أمر توقيف من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. السومال يراقب عن كثب التطورات الأخيرة.
انفصلت صوماليلاند عن الصومال في عام 1991 بعد حرب أهلية تحت حكم الديكتاتور العسكري سياد بري. تسيطر الجمهورية المعلنة ذاتيًا على جزء من شمال غرب الصومال ولديها دستور وعملة وعلم خاص بها. تدعي صوماليلاند الإقليم الذي كان يعرف سابقًا بحماية بريطانيا الصومالية، لكن مناطقها الشرقية لا تزال تحت سيطرة إدارات متنافسة موالية للصومال. الوضع في صوماليلاند لا يزال معقدًا.
في سؤال له من قبل صحيفة نيويورك بوست، أجاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالنفي عما إذا كان سيعترف بصوماليلاند، مضيفًا أن المسألة لا تزال قيد الدراسة. وتساءل ترامب: “هل يعرف أحد ما هي صوماليلاند حقًا؟”. المفاوضات السياسية قد تكون الحل.
من المقرر أن يناقش مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اعتراف إسرائيل بصوماليلاند يوم الاثنين القادم. ومن غير الواضح ما إذا كان سيصدر المجلس أي قرار ملزم، لكن المناقشة نفسها تشير إلى أن القضية أصبحت مصدر قلق دولي. وستراقب الأطراف المعنية عن كثب رد فعل الأمم المتحدة، بالإضافة إلى التطورات على الأرض في الصومال وصوماليلاند.










