أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) عن مقتل أو أسر ما يقرب من 25 عنصراً من تنظيم داعش في سوريا في الأيام التي تلت ضربة أمريكية كبيرة في 19 ديسمبر. يؤكد هذا الإجراء تقييم واشنطن بأن تنظيم داعش لا يزال يشكل تهديدًا نشطًا ومستمرًا داخل البلاد، على الرغم من فقدانه السيطرة على الأراضي الواسعة. وتأتي هذه التطورات في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار في سوريا وتصاعد الأنشطة المرتبطة بالتنظيم.
داعش في سوريا: تهديد مستمر وتصعيد أمريكي
نفذت القوات الأمريكية وقوات الشركاء 11 مهمة إضافية بين 20 و 29 ديسمبر، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن سبعة عناصر من داعش، واعتقال البقية، وتدمير أربعة مخابئ أسلحة تابعة للتنظيم. جاءت هذه العمليات بعد “عملية هوك آي سترايك”، حيث قصفت القوات الأمريكية والأردنية أكثر من 70 هدفًا لداعش في وسط سوريا، مستخدمةً أكثر من 100 ذخيرة دقيقة، ودمرت البنية التحتية ومواقع الأسلحة المرتبطة بالتنظيم. وأكد قائد القيادة المركزية الأمريكية، الأدميرال براد كوبر، أن القوات الأمريكية ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين لتفكيك شبكات داعش التي تهدد الأمن الأمريكي والإقليمي.
الوضع الأمني المعقد في سوريا
يشير نطاق الغارات اللاحقة إلى حقيقة حذر منها القادة والمحللون الأمريكيون لعدة أشهر: لم يعد تنظيم داعش يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي، لكنه يحتفظ بالقدرة على التنظيم والضرب وإعادة التشكيل داخل المشهد الأمني السوري المتصدع. تظل سوريا مقسمة بين قوى متنافسة وميليشيات وجماعات مسلحة مدعومة من الخارج، ولا توجد سلطة واحدة تمارس السيطرة الكاملة على أجزاء كبيرة من البلاد. يقول المحللون إن هذا الفراغ الأمني يوفر مساحة لعمل خلايا داعش بهدوء، وتجنيد عناصر جديدة، واستغلال القوات المحلية المثقلة بالأعباء.
بالإضافة إلى ذلك، يرى خبراء الأمن أن البيئة الأمنية في سوريا تتشكل بفعل شبكات جهادية سابقة لم يتم تفكيكها بالكامل بعد الحرب. تشير التقييمات الأمنية الإقليمية إلى أن القيادة الانتقالية في سوريا، بما في ذلك الرئيس أحمد الشراعا، ظهرت من فصائل إسلامية مسلحة اعتمدت بشكل كبير على المقاتلين والميليشيات الأجنبية. على الرغم من أن هذه الجماعات ليست مرادفة لتنظيم داعش، إلا أن عدم تفكيك الشبكات المتطرفة بشكل كامل قد ترك ثغرات تستغلها خلايا داعش باستمرار.
تكتيكات داعش المتغيرة
يقول بيل روجيو، محلل عسكري، إن “داعش اليوم لا يحتاج إلى خلافة ليكون خطيرًا”. ويضيف أن هناك ميلًا سريعًا لإعلان هزيمة المنظمات الإرهابية وتجاهل خطورتها، وهو أمر بعيد عن الحقيقة. لقد تكيف التنظيم بدلاً من الاختفاء، وتحول من السيطرة على الأراضي إلى خلايا أصغر وأكثر سرية قادرة على تنفيذ هجمات مميتة. ويشير إلى استمرار نشاط داعش ليس فقط في سوريا والعراق، ولكن أيضًا في أفغانستان ومناطق أخرى، مستشهداً بتقارير الأمم المتحدة التي تقدر وجود حوالي 2000 مقاتل من داعش لا يزالون نشطين في أفغانستان وحدها.
تهديد السجون ومعسكرات الاعتقال
يمثل شبكة مرافق الاحتجاز في شمال شرق سوريا، التي تحتجز الآلاف من إرهابيي داعش وأنصارهم، أحد الثغرات الأمنية الأكثر حساسية. تحرس هذه السجون بشكل أساسي القوات الكردية المدعومة بوجود عسكري أمريكي صغير، يقدر بحوالي 1000 جندي. حذر المسؤولون الأمريكيون وقوات التحالف مرارًا وتكرارًا من أن أي تعطيل كبير لأمن السجون قد يسمح لعمليات داعش المتشددة بالهروب وإعادة تشكيل الشبكات عبر سوريا وخارجها. كما أعرب المسؤولون الكرد عن قلقهم بشأن نقص التمويل والإجهاد في القوى البشرية والضغط من الميليشيات المتنافسة القريبة.
على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين لم يربطوا الضربات الأخيرة بتهديدات السجون بشكل علني، إلا أن المحللين يقولون إن البيئة الأوسع نطاقًا من السيطرة المتصدعة تزيد من خطر الهجمات المنسقة أو المساعدة الداخلية أو اضطرابات السجون. هذا الخطر ليس افتراضيًا، فقد نفذ تنظيم داعش عمليات كسر سجون جماعية سابقة في سوريا والعراق، بما في ذلك الهجوم على سجن السنا في الحسكة عام 2022 والذي تطلب أيامًا من القتال لاحتوائه.
الوضع الإقليمي وتأثيره
تأتي الضربات الأمريكية أيضًا في خضم استمرار حالة عدم الاستقرار في سوريا، حيث تعمل العديد من الجهات الفاعلة المسلحة بسلطة متداخلة. يقول المحللون إن الاشتباكات بين الميليشيات والعنف الطائفي والهياكل القيادية غير المحلولة قد أضعفت الأمن العام وصرفت الانتباه عن جهود مكافحة الإرهاب. كما أظهرت التفجيرات في أحياء دمشق، بما في ذلك المزة، والاضطرابات في المناطق الأقلية، الفجوات التي يمكن أن يستغلها تنظيم داعش والجماعات المتطرفة الأخرى.
يؤكد المسؤولون الأمريكيون والمحللون أن نشاط تنظيم داعش في سوريا هو جزء من نمط أوسع وليس مجرد تصعيد معزول. تشير مصادر في الموساد الإسرائيلي إلى استمرار الأنشطة المرتبطة بتنظيم داعش في مسارح متعددة، بما في ذلك شبكات التجنيد والهجمات الصغيرة المصممة لاختبار الاستجابات الأمنية والحفاظ على الأهمية التشغيلية. وفي تركيا، اشتبكت قوات الأمن مؤخرًا مع مقاتلي تنظيم داعش خلال عمليات مكافحة الإرهاب، مما أدى إلى إصابة العديد من الضباط.
تثير الإجراءات العسكرية الأمريكية المتجددة تساؤلات صعبة أمام صناع السياسات حول المدة التي يمكن أن تستمر فيها استراتيجية الاحتواء الحالية. في حين أن المسؤولين الأمريكيين يقولون إن الضربات التي وقعت في 19 ديسمبر وجهت ضربة كبيرة للبنية التحتية لداعش، إلا أنهم أقروا أيضًا بأن العمليات العسكرية وحدها لا يمكن أن تقضي على الظروف الأساسية التي تسمح باستمرار المجموعة. يبقى مستقبل سوريا غير مؤكد، ويتطلب مراقبة دقيقة لتقييم تطورات الوضع وتأثيرها على جهود مكافحة الإرهاب.










