أظهرت بيانات اقتصادية حديثة تباطؤًا في سوق العمل الأمريكي، مما عزز التوقعات بقيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في اجتماعه القادم، على الرغم من الانقسامات الداخلية حول هذا القرار. وقد انعكس هذا التوقع إيجابًا على الأسواق المالية، حيث شهدت الأسهم ارتفاعًا ملحوظًا، بينما تراجعت عوائد السندات والدولار الأمريكي. يشير هذا التحول إلى تزايد ثقة المستثمرين في أن الفيدرالي قد يغير مساره النقدي استجابةً للظروف الاقتصادية المتغيرة.
وبينما حقق مؤشر “إس آند بي 500” مكاسب، ارتفعت أسهم حوالي 350 شركة ضمنه. ومع ذلك، لم يستطع قطاع التكنولوجيا العملاقة أن يحافظ على زخمه، حيث انخفضت أسهم “مايكروسوفت” بنسبة 2.5% بعد تقارير عن ضعف الطلب على بعض أدوات الذكاء الاصطناعي. عبّر جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة “إنفيديا”، عن عدم يقينه من قبول الصين لرقائق “H200” في حال تخفيف الولايات المتحدة لقيود التصدير.
تزايد الضغوط على الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة
أظهرت أحدث البيانات أن الشركات الأمريكية خفضت وظائفها في شهر نوفمبر بأكبر وتيرة منذ أوائل عام 2023. ويزيد هذا الأمر من المخاوف بشأن ضعف سوق العمل، بينما لا يزال التضخم مرتفعًا. في الوقت نفسه، سجل نشاط قطاع الخدمات توسعًا طفيفًا، لكن مقياسًا للأسعار المدفوعة انخفض إلى أدنى مستوى له في سبعة أشهر.
يواجه صناع السياسات في الفيدرالي معضلة صعبة تتمثل في الموازنة بين الحاجة إلى دعم النمو الاقتصادي من خلال خفض أسعار الفائدة، وبين خطر تفاقم التضخم. ومع ذلك، يرى العديد من المحللين أن الفيدرالي سيركز بشكل أكبر على سوق العمل المتعثرة في اجتماعه المقبل.
وقال جيف روتش من شركة “إل بي إل فاينانشال” إن “الفيدرالي سيركز في اجتماعه في ديسمبر على سوق العمل المتعثرة. ومنذ بداية العام، عندما بدأنا نشهد ضعفاً ملحوظاً في سوق العمل، كنت أرى أن الطلب على العمالة بات ضعيفاً بما يكفي ليُقدم الفيدرالي على الخفض، بما في ذلك هذا الشهر”.
أداء الأسواق وتأثير قرارات الفائدة
أغلق مؤشر “إس آند بي 500” بالقرب من 6850 نقطة، مسجلًا مكاسب للمرة السابعة في ثماني جلسات. وأظهرت التداولات الممتدة أداءً متباينًا، حيث قدمت شركة “سيلزفورس” توقعات إيرادات قوية، بينما كانت توقعات “سنو فليك” لهوامش التشغيل أقل من تقديرات المحللين.
على صعيد السندات، ارتفعت سندات الخزانة الأمريكية على طول المنحنى، مما أدى إلى انخفاض عوائد السندات لأجل عامين إلى ما دون 3.5%. وشهد الدولار الأمريكي أسوأ يوم له منذ شهر سبتمبر، مع انخفاض قيمته بنسبة 0.3%. وتداول سعر عملة “بتكوين” حول مستوى 93000 دولار.
وأشار فؤاد رزاق زادة من “فوركس دوت كوم” إلى أن “بيانات هذا الأسبوع تؤكد إلى حد كبير ما كان المتداولون يتوقعون حصوله، فالبيانات الأميركية تشهد تباطؤاً هامشياً، ولا شيء هذا الأسبوع سيغير قناعة السوق بأن الفيدرالي يتجه نحو خفض في ديسمبر”.
توقعات متباينة بشأن مسار أسعار الفائدة في 2025
تشير تسعيرات السوق إلى احتمال يزيد عن 90% لخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع الفيدرالي الأسبوع المقبل، وهو ارتفاع كبير مقارنة بنحو 25% قبل أسبوعين فقط، وفقًا لأولريكه هوفمان-بورشاردي من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت”.
وأضافت أن “البيانات تظهر أن الفيدرالي قد يضطر إلى تغيير مساره بسرعة استجابةً للظروف الاقتصادية المتغيرة”. وتسعى المؤسسات المالية إلى تقييم المخاطر والفرص المرتبطة بالسياسة النقدية المتغيرة للفيدرالي.
انخفض عدد الوظائف في القطاع الخاص بمقدار 32000 وفقًا لبيانات “إيه دي بي”، في حين كانت تقديرات الاقتصاديين تشير إلى زيادة قدرها 10000 وظيفة. وعلى الرغم من أن هذا الانخفاض قد يكون مؤقتًا، إلا أنه يعزز المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي.
يرى خبراء الاقتصاد أن حالة عدم اليقين بشأن مسار أسعار الفائدة ستستمر في التأثير على الأسواق المالية في الأشهر المقبلة. من المتوقع أن يراقب المستثمرون عن كثب البيانات الاقتصادية وتقارير التضخم، بالإضافة إلى تصريحات المسؤولين في الفيدرالي، للحصول على مزيد من المؤشرات حول التوجه المستقبلي للسياسة النقدية.
وفي الختام، من المتوقع أن يواصل الفيدرالي تقييم البيانات الاقتصادية بعناية قبل اتخاذ قرارات بشأن أسعار الفائدة. سيصدر تقرير الدخل والإنفاق لشهر سبتمبر يوم الجمعة، وسيكون هذا التقرير بالغ الأهمية لأنه سيوفر قراءة متأخرة لمقياس التضخم المفضل لدى الفيدرالي. من المرجح أن تستمر حالة عدم اليقين في الأسواق حتى يتم توضيح مسار السياسة النقدية للفيدرالي بشكل أكبر.










