شهد اقتصاد الولايات المتحدة نمواً ملحوظاً في الربع الثالث من عام 2023، مسجلاً أسرع وتيرة له منذ عامين. يعزى هذا النمو القوي إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي والشركات، بالإضافة إلى تخفيف بعض السياسات التجارية التي كانت تفرضها الإدارة السابقة. ويشير هذا التطور إلى مرونة اقتصادية ملحوظة في مواجهة التحديات العالمية.
ووفقاً لتقرير صادر عن مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي المعدّل حسب التضخم بنسبة 4.3% على أساس سنوي. هذا الرقم تجاوز توقعات معظم المحللين، حيث كان متوسط التوقعات يشير إلى نمو أقل. يأتي هذا النمو بعد زيادة بنسبة 3.8% في الربع السابق، مما يؤكد استمرار الزخم الإيجابي في الناتج المحلي الإجمالي.
النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة: محرك الاستهلاك وتأثير السياسات التجارية
يُظهر التقرير أن المستهلكين لعبوا دوراً محورياً في دعم النمو الاقتصادي، حيث استمروا في الإنفاق على السلع والخدمات. بالإضافة إلى ذلك، ساهم التراجع عن بعض الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في تحسين الأداء الاقتصادي. ومع ذلك، من المتوقع أن يؤثر الإغلاق الحكومي الجزئي الذي حدث مؤخراً على نمو الربع الرابع، على الرغم من التوقعات بتحسن معتدل في عام 2026.
تأثير الإغلاق الحكومي على البيانات الاقتصادية
عادةً ما يصدر مكتب التحليل الاقتصادي ثلاثة تقديرات للنمو الفصلي، مع تعديل الأرقام كلما توفرت بيانات جديدة. لكن بسبب الإغلاق الحكومي، سيتم إصدار تقديرين فقط للربع الثالث. وكان من المقرر نشر التقدير الأولي في 30 أكتوبر، إلا أنه تم تأجيله بسبب الظروف السياسية.
وقد انعكس هذا النمو الإيجابي على الأسواق المالية، حيث ارتفع مؤشر “إس أند بي 500” في بداية تداولات الثلاثاء. في المقابل، شهدت سندات الخزانة الأمريكية انخفاضاً في قيمتها.
وتتفق هذه النتائج مع التوقعات الأخيرة للاحتياطي الفيدرالي، حيث أشار رئيسه جيروم باول إلى أن السياسات المالية الداعمة، والاستثمار في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، واستمرار الإنفاق الاستهلاكي، كلها عوامل تدعم توقعات البنك المركزي بنمو اقتصادي أسرع في العام المقبل. ومع ذلك، يتوقع صانعو السياسات خفضاً واحداً فقط في أسعار الفائدة خلال عام 2026، بعد سلسلة من التخفيضات في نهاية العام الحالي.
ويرجع هذا الحذر إلى استمرار التضخم فوق هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. وأظهر التقرير أن مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو المقياس المفضل لدى الفيدرالي للتضخم، ارتفع بنسبة 2.9% في الربع الثالث. ولم يتمكن مكتب التحليل الاقتصادي من تحديد موعد جديد لإصدار بيانات مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي لشهرَي أكتوبر ونوفمبر بسبب الإغلاق الحكومي.
على الرغم من بعض المؤشرات التي تشير إلى تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي في الربع الرابع، أعرب بن آيرز، كبير الاقتصاديين في شركة “Nationwide”، عن تفاؤله بشأن مستقبل الاقتصاد الأمريكي، قائلاً: “لا يزال الأساس الذي يقوم عليه الاقتصاد قوياً. نحن متفائلون بأن الاقتصاد سيتسارع في عام 2026”.
وتشير البيانات إلى أن إنفاق المستهلكين، وهو المحرك الرئيسي للنمو، ارتفع بنسبة 3.5% على أساس سنوي. ويعكس هذا الارتفاع الإنفاق القوي على الخدمات، مثل الرعاية الصحية والسفر الدولي، في حين شهد الإنفاق على المركبات انخفاضاً.
تحديات تواجه الاقتصاد الأمريكي في 2026
ومع ذلك، يواجه الاقتصاد الأمريكي بعض التحديات في عام 2026، بما في ذلك ضعف سوق العمل وارتفاع تكاليف المعيشة. وقد أدى هذا المزيج إلى زيادة الفجوة في الإنفاق بين الأسر ذات الدخل المرتفع والمتوسط والمنخفض.
كما شهد الاستثمار التجاري توسعاً بنسبة 2.8%، مدفوعاً بالإنفاق القوي على معدات الحواسيب ومراكز البيانات، التي تعتبر ضرورية لتطوير الذكاء الاصطناعي. في الوقت نفسه، أظهرت بيانات أخرى انخفاضاً في الطلبات على معدات الأعمال في أكتوبر، على الرغم من أن شحنات السلع الرأسمالية كانت أقوى من المتوقع.
وأظهر تقرير منفصل أن الإنتاج الصناعي بالكاد ارتفع في شهري أكتوبر ونوفمبر، متأثراً بضعف الإنتاج التصنيعي. هذه التطورات تشير إلى أن هناك بعض العوامل التي قد تعيق النمو الاقتصادي في المستقبل القريب.
وفي هذا السياق، صرحت إليزا وينغر من بلومبرغ إيكونوميكس: “ظل النمو قوياً في الربع الثالث. نتوقع أن النمو السنوي الكامل قد تضرر بسبب الإغلاق الحكومي، لكننا نتوقع اقتصاداً أقوى بكثير في عام 2026″.
أما بالنسبة للتجارة والمخزونات، فقد كان لها تأثير متقلب على الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. لذلك، يركز الاقتصاديون على مقياس “المبيعات النهائية للمشترين المحليين من القطاع الخاص”، الذي يعتبر مؤشراً أكثر دقة للطلب الفعلي. وقد ارتفع هذا المقياس بنسبة 3%، وهو الأعلى منذ عام.
بالإضافة إلى ذلك، ارتفع الدخل المحلي الإجمالي بنسبة 2.4%، بعد تعديل الزيادة السابقة إلى 2.6%. في حين أن الناتج المحلي الإجمالي يقيس الإنفاق، فإن الدخل المحلي الإجمالي يقيس الدخل الناتج عن هذا الإنفاق.
من المقرر أن يصدر التقدير النهائي لناتج الربع الثالث في 22 يناير. ولم يحدد مكتب التحليل الاقتصادي بعد موعداً جديداً لإصدار تقديراته الأولية للربع الرابع ولعام 2025 بأكمله، وذلك بسبب استمرار تأثير الإغلاق الحكومي. ومن المهم متابعة هذه التطورات لتقييم المسار المستقبلي للاقتصاد الأمريكي.










