واصلت سوق الأسهم السعودية تحقيق مكاسب للجلسة الثالثة على التوالي، مما يشير إلى عودة تدريجية للثقة بين المستثمرين على الرغم من التعاملات الانتقائية. يأتي هذا التحسن في ظل ترقب المستثمرين لتقييم ما إذا كان هذا الزخم الصاعد سيتحول إلى اتجاه تصاعدي أكثر استدامة في الفترة المقبلة. يشهد السوق تحركات إيجابية ملحوظة، مع تداول المؤشر العام فوق متوسط الجلسات الأخيرة.
أغلق المؤشر العام “تاسي” مرتفعاً بنسبة 0.6% عند مستوى 10552 نقطة، مدفوعاً بأداء إيجابي لبعض الأسهم القيادية مثل مصرف الراجحي، والبنك الأهلي، ومعادن، وأكوا باور. في المقابل، شهد سهم أرامكو انخفاضاً طفيفاً. تعتبر هذه التطورات جزءاً من ديناميكية السوق المالية السعودية التي تشهد تقلبات مستمرة.
زخم صعودي بقيادة القطاع المصرفي السعودي
يرى المحلل المالي أحمد الرشيد أن سوق الأسهم السعودية تشهد حالياً تحركات إيجابية، حيث يتداول المؤشر العام فوق متوسط الخمس والعشر جلسات الأخيرة، مما يعزز فرص استمرار الأداء الصاعد نحو مستويات قد تصل إلى 10750 نقطة. يعزو الرشيد هذا الزخم بشكل رئيسي إلى أداء القطاع المصرفي.
ويوضح أن قطاع البنوك شهد تراجعاً لفترة طويلة إلى مستويات سعرية جذابة، بالتزامن مع استمرار تقديم توزيعات نقدية جيدة وتحقيق نتائج مالية تجاوزت التوقعات خلال الربعين الماضيين. كما يشير إلى استمرار نمو محافظ الإقراض، متوقعاً مواصلة الربحية، وإن كان بمعدلات نمو أقل. يُعد القطاع المصرفي محركاً رئيسياً للنمو في الاستثمار في السعودية.
أضاف الرشيد أن تقييم السوق السعودية أصبح أقرب إلى مستويات الأسواق الناشئة، مما يقلل الضغوط البيعية ويجعل المستثمرين الأجانب أقل ميلاً للخروج من السوق. بل قد يشجع ذلك على زيادة التدفقات الأجنبية خلال الفترة المقبلة، مما يؤدي إلى انحسار الضغوط البيعية وتعزيز صافي مشتريات الأجانب، وبالتالي دعم تحرك مؤشر “تاسي” بشكل إيجابي.
المستثمرون يتبنون استراتيجية انتقائية في السوق السعودية
يرى المحلل المالي عاصم منصور أن التحركات الحالية في سوق الأسهم السعودية تمنح المستثمرين بعض التفاؤل، لكنها في الوقت نفسه تكشف عن نمط تداول انتقائي يتركز على الأسهم والقطاعات القيادية. يعكس هذا التوجه تفضيل المستثمرين – أفراداً ومؤسسات – لبناء مراكز محددة بدلاً من الانكشاف الكامل على السوق.
ويضيف منصور أن هذا السلوك يجعل الارتدادات صعوداً غالباً قصيرة الأجل، في ظل انتظار المزيد من الأخبار الجوهرية القادرة على إعادة الزخم للمؤشر العام. يذكر أن السوق سبق وأن تعافت سريعاً بين منتصف سبتمبر ونهاية أكتوبر، حيث تمكن المؤشر من تعويض جزء كبير من خسائره، مرجحاً إمكانية تكرار هذا السيناريو خلال الأسابيع المقبلة، وصولاً إلى بداية عام 2026 إذا توافرت العوامل المحفزة. المؤشر الرئيسي في البورصة متراجع بنحو 12% منذ بداية العام الجاري.
ويؤكد منصور أن مسار أسعار الفائدة النزولي سيدفع المؤشر السعودي للصعود، كما أن قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشراء سندات بقيمة 40 مليار دولار شهرياً، والذي اعتبرته الأسواق نوعاً من التيسير الكمي، قد يعزز شهية المخاطر عالمياً، وهو ما قد ينعكس إيجاباً على السوق السعودية. بالإضافة إلى ذلك، يرى أن ارتفاع صادرات المملكة النفطية مؤخراً، على الرغم من استقرار أسعار الخام قرب مستويات منخفضة نسبياً، يدعم الإيرادات والإنفاق الحكومي والمشاريع الكبرى، مما سينعكس إيجاباً على السوق ككل.
السوق تقترب من نهاية موجة الهبوط والسيولة تنتظر الفرصة
يعتقد حسين الرقيب، مدير مركز “زاد” للاستشارات، أن سوق الأسهم السعودية باتت في المراحل الأخيرة من الهبوط، مرجحاً أن المرحلة المقبلة قد تشهد عودة للاتجاه الصاعد، خاصة إذا تزامنت مع انفتاح أوسع على استثمارات الأجانب. يشكل هذا الانفتاح حافزاً قوياً للسوق.
ويشير الرقيب إلى أن قيم التداول الحالية لا تعكس الحجم الحقيقي للسوق، موضحاً أن عودة الأداء الطبيعي تحتاج إلى مستويات سيولة تتجاوز 5 مليارات ريال يومياً، مقارنة بمستوى 3.5 مليار ريال اليوم. لكنه يلفت إلى أن تقييم السيولة عبر أحجام التداول فقط “غير دقيق”، لأن السيولة الفعلية لا تزال داخل المحافظ الاستثمارية ولم تغادر السوق، إضافة إلى التسهيلات البنكية غير المستغلة التي ما زالت متاحة للدخول عند ظهور الفرصة المناسبة.
ويلفت إلى أن صافي مبيعات المؤسسات والصناديق منذ بداية العام بلغ نحو 22 مليار ريال، في مقابل صافي مشتريات للأجانب يقارب 20 مليار ريال، وهو ما يعطي وضوحاً بأن السوق واعدة طالما واصل الاستثمار الأجنبي تدفقه. يؤكد أن المستثمرين ينتظرون وضوح السياسات المتعلقة بفتح الباب أمام المستثمرين الأجانب في البورصة، لكي نرى عودة للمؤسسات للدخول مرة أخرى في السوق السعودية وتنشيط حركة التداول.
من المتوقع أن تشهد الأسابيع القادمة مزيداً من الوضوح بشأن سياسات الاستثمار الأجنبي، وهو ما قد يكون له تأثير كبير على أداء سوق الأسهم السعودية. سيراقب المستثمرون عن كثب بيانات التضخم وأسعار الفائدة، بالإضافة إلى التطورات الجيوسياسية، لتقييم المخاطر والفرص المحتملة. يبقى الأداء المستقبلي للسوق مرتبطاً بشكل كبير بالظروف الاقتصادية العالمية والإقليمية.










