تواجه البنوك العالمية ضغوطًا متزايدة مع تزايد احتمالية إفلاس المزيد من الشركات المثقلة بالديون، على غرار “ترايكولور هولدينغز” و”فيرست براندز غروب”. هذا الوضع يثير مخاوف بشأن قدرة البنوك على استيعاب الخسائر المحتملة دون التأثير سلبًا على الاستقرار الاقتصادي العالمي، مما يجعل تعزيز رأس المال البنكي أمرًا بالغ الأهمية.
تحديات تواجه البنوك العالمية وضرورة تعزيز رأس المال البنكي
أظهرت الأحداث الأخيرة، مثل إفلاس شركتي “ترايكولور هولدينغز” و”فيرست براندز غروب”، هشاشة بعض القطاعات الاقتصادية وقدرتها على التأثير في النظام المالي. يتطلب هذا من البنوك أن تكون مستعدة لمواجهة الخسائر المحتملة، وهو ما يعتمد بشكل كبير على قوة رأس المال البنكي لديها.
الخطوة التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي للحد من ممارسات تقويض رأس المال المخصص لتغطية الخسائر تعتبر إيجابية ومحفزة. يجب على الهيئات التنظيمية الأخرى في جميع أنحاء العالم أن تحذو حذوه لضمان استقرار النظام المالي.
رأس المال البنكي: ليس مجرد احتياطي للطوارئ
غالبًا ما يُنظر إلى رأس المال على أنه مجرد احتياطي للطوارئ، لكن هذا تصور خاطئ. رأس المال هو في الأساس تمويل من المساهمين، الذين يوافقون على تحمل الخسائر أولاً مقابل الحصول على حصة في الأرباح. كلما زاد رأس المال المتاح للبنوك، زادت قدرتها على تحمل المخاطر دون المساس بسلامتها المالية أو استقرار النظام المالي ككل.
في الولايات المتحدة، اضطر بنك “فيفث ثيرد” إلى فحص ضماناته الائتمانية بعد إفلاس شركة تمويل سيارات، مما يسلط الضوء على المخاطر الكامنة في هذا النوع من التطورات.
نقل المخاطر المصطنع: بديل غير كافٍ لرأس المال
يلجأ المسؤولون التنفيذيون في البنوك بشكل متزايد إلى استخدام رأس مال أقل وزيادة الاعتماد على الديون، وذلك للاستفادة من بعض المؤشرات الربحية والدعم الحكومي. وقد شهدنا مؤخرًا عودة ممارسة “نقل المخاطر المصطنع”، وهي ممارسة كانت شائعة قبل الأزمة المالية عام 2008.
تتضمن هذه الممارسة شراء تأمين ضد الخسائر المحتملة من مستثمرين متخصصين. على سبيل المثال، يمكن لبنك يمتلك قروض سيارات بقيمة مليار دولار أن يقلل من متطلبات رأس المال الخاصة به بشكل كبير عن طريق شراء هذا التأمين. مقابل توفير هذه الحماية، يحصل المستثمر على عائد قد يتجاوز 10%.
وقد تضاعف حجم هذه الصفقات تقريبًا خمس مرات منذ عام 2016، ليصل إلى أكثر من 670 مليار دولار في نهاية عام 2024، وفقًا لبيانات بلومبرغ. ومع ذلك، فإن هذا التأمين ليس بديلاً كافيًا عن رأس المال الحقيقي.
عيوب نقل المخاطر المصطنع
نقل المخاطر المصطنع يغطي فقط القروض المحددة ولا يحمي من جميع الخسائر المحتملة. كما أن هذه الصفقات غالبًا ما تنتهي قبل تاريخ استحقاق الأصول، مما يعني أنها قد لا تكون متاحة عند الحاجة إليها. بالإضافة إلى ذلك، تفتقر هذه الصفقات إلى الشفافية، حيث غالبًا ما تكون سرية وغير مخصصة، مما يجعل من الصعب على الجهات التنظيمية فهم طبيعة المخاطر ومن سيتحمل الخسائر في النهاية.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن المخاطر لا تنتقل دائمًا خارج النظام المصرفي. ففي كثير من الأحيان، يتم تمويل جزء من هذه الصفقات عن طريق الاقتراض من بنوك أخرى، مما يعني أن المخاطر لا تزال موجودة داخل النظام. كما أن هناك زيادة في عدد الصفقات “غير الممولة”، مما يزيد من احتمالية عدم قدرة الطرف المقابل على الوفاء بالتزاماته.
توسع الممارسة في أوروبا ومخاطر مماثلة
في أوروبا، قد تشهد هذه الممارسة توسعًا أكبر قريبًا مع اقتراح قواعد جديدة تسمح لشركات التأمين الكبيرة ببيع حماية غير ممولة. على الرغم من أن شركات التأمين تدعي أنها قادرة على تحمل المخاطر بفضل رأس مالها القوي، إلا أن هذا الأمر يثير تساؤلات حول أوجه التشابه مع أزمة عام 2008، عندما عجزت شركة “أمريكان إنترناشونال غروب” عن الوفاء بضماناتها، مما هدد استقرار النظام المالي العالمي.
لقد أثار البنك المركزي الأوروبي مخاوفه بشأن هذه الصفقات التركيبية ودفع البنوك نحو عمليات التوريق التقليدية القائمة على “البيع الحقيقي”، والتي تتيح لها زيادة قدرتها على الإقراض من خلال نقل الأصول إلى المشترين.
من المتوقع أن تواصل الهيئات التنظيمية في جميع أنحاء العالم مراقبة تطورات هذا الوضع عن كثب. قد يتم النظر في وضع حدود لنقل المخاطر التركيبية لضمان عدم تحولها إلى تهديد نظامي. كما أن المطالبة بإفصاحات كافية لتحديد المخاطر وتحديد من يتحملها أمر ضروري.
في الختام، يظل تعزيز رأس المال البنكي هو أفضل ضمان لقوة واستقرار البنوك. الاعتماد على بدائل غير كافية قد يزيد من هشاشة النظام المالي بأكمله. ستكون الخطوات التالية للهيئات التنظيمية حاسمة في تحديد ما إذا كانت ستنجح في منع تكرار أخطاء الماضي، مع التركيز على الشفافية والرقابة الصارمة على ممارسات نقل المخاطر.










