تشهد الطاقة النووية في الولايات المتحدة الأمريكية عودة قوية، مدفوعة بالطلب المتزايد على الطاقة الناتج عن التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي. تستثمر شركات التكنولوجيا الكبرى والحكومة الأمريكية بشكل كبير في هذا القطاع، في محاولة لتأمين مصادر طاقة موثوقة ومستدامة. هذا التحول يأتي بعد سنوات من التراجع في قطاعي الطاقة النووية والفحم، مع التركيز الآن على الطاقة النووية كحل أساسي لتلبية احتياجات الطاقة المتزايدة.
التحول نحو الطاقة النووية: دوافع جديدة
في عام 2017، حاولت إدارة ترامب السابقة دعم محطات توليد الطاقة بالفحم والطاقة النووية المتعثرة من خلال تقديم إعانات مالية. لم تنجح هذه الجهود في منع تراجع الفحم، حيث انخفضت حصته في مزيج الطاقة الأمريكي إلى 17% من 45% في عام 2010. كما واجهت الصناعة النووية صعوبات، مع إغلاق ثلاثة مفاعلات منذ عام 2020 وتعطيل مشاريع بناء مفاعلات جديدة. ومع ذلك، يشهد الوضع تغيرًا ملحوظًا في الوقت الحالي.
تعتبر الإدارة الأمريكية الحالية، بقيادة الرئيس ترامب، الطاقة النووية حلاً رئيسيًا لتلبية احتياجات الطاقة الهائلة التي يتطلبها الذكاء الاصطناعي. في مايو الماضي، وقع الرئيس سلسلة من المراسيم التنفيذية لتعزيز الطاقة النووية في الولايات المتحدة، بما في ذلك أمر ببناء 10 مفاعلات كبيرة جديدة بحلول عام 2030. وقد أدت هذه المبادرات إلى تقدم ملحوظ من قبل الشركات الناشئة في هذا المجال.
استثمارات شركات التكنولوجيا
بالإضافة إلى جهود الحكومة، تقوم شركات التكنولوجيا العملاقة مثل جوجل وأمازون ومايكروسوفت باستثمارات كبيرة في الطاقة النووية لتشغيل مراكز البيانات الخاصة بها. انضمت مايكروسوفت إلى الرابطة النووية العالمية، وتدرس إعادة تشغيل مفاعلات نووية متقاعدة، بما في ذلك مفاعل Three Mile Island الشهير بدعم من قرض حكومي بقيمة مليار دولار. تشير هذه الاستثمارات إلى ثقة متزايدة في الطاقة النووية كمصدر طاقة موثوق ومستدام.
يعكس هذا الاهتمام المتزايد بالطاقة النووية تحولًا في الرأي العام، حيث ارتفع الدعم للطاقة النووية إلى أعلى مستوى له منذ عام 2010، وفقًا لاستطلاعات الرأي الأخيرة. ومع ذلك، لا يزال هناك قلق بشأن التكاليف المرتفعة المرتبطة ببناء وتشغيل المفاعلات النووية.
تحديات تواجه مستقبل الطاقة النووية
على الرغم من الدعم المتزايد، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه مستقبل الطاقة النووية. تعتبر تكاليف البناء هي التحدي الأكبر، حيث تشكل الجزء الأكبر من التكاليف الإجمالية. هناك أيضًا مخاوف بشأن التقييمات المبالغ فيها لشركات المفاعلات الصغيرة المعيارية، خاصة تلك التي لديها علاقات وثيقة بالإدارة الأمريكية.
أثار الاتفاق الأخير بقيمة 80 مليار دولار بين الحكومة وشركة Westinghouse العملاقة للمفاعلات تساؤلات بسبب نقص التفاصيل المتاحة. على الرغم من الاتفاقيات رفيعة المستوى بين شركات التكنولوجيا والشركات النووية، لا تزال الجداول الزمنية لإنجاز هذه المشاريع غير مؤكدة. تعتبر الطاقة المتجددة بديلاً مهماً، ولكنها تواجه تحديات في توفير الطاقة المستمرة التي تحتاجها مراكز البيانات.
الاعتبارات التنظيمية والمالية
يرى بعض الخبراء أن التحديات الرئيسية لا تكمن في اللوائح التنظيمية الصارمة، بل في تكاليف البناء المرتفعة. يتطلب بناء المفاعلات النووية استثمارات ضخمة ووقتًا طويلاً، مما يزيد من المخاطر المالية. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى تطوير تقنيات جديدة لتقليل التكاليف وتحسين الكفاءة. تكنولوجيا المفاعلات الجديدة، مثل المفاعلات الصغيرة المعيارية، قد تقدم حلولاً واعدة، ولكنها لا تزال في مراحل التطوير.
يعتبر الأمن السيبراني أيضًا مصدر قلق متزايد، حيث أن مراكز البيانات والمفاعلات النووية أهداف محتملة للهجمات الإلكترونية. يجب على الشركات والحكومة الاستثمار في تدابير أمنية قوية لحماية هذه البنية التحتية الحيوية.
من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة المزيد من المناقشات حول تفاصيل خطط الإدارة الأمريكية لتعزيز الطاقة النووية. سيراقب المراقبون عن كثب التقدم المحرز في بناء المفاعلات الجديدة، وكذلك تأثير الاستثمارات في الشركات الناشئة. ستكون التطورات في مجال تخزين الطاقة أيضًا ذات أهمية كبيرة، حيث يمكن أن تساعد في معالجة مشكلة عدم استقرار الطاقة المتجددة. يبقى مستقبل الطاقة النووية غير مؤكدًا، ولكن من الواضح أنها ستلعب دورًا مهمًا في تلبية احتياجات الطاقة المتزايدة في المستقبل.










