تواجه المجتمعات المسيحية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تهديدات متزايدة من الجماعات المتطرفة، بما في ذلك عمليات الاضطهاد والخطف والعنف الجنسي والقتل. وقد اعتبر العديد من المسيحيين في المنطقة الضربة الأمريكية الأخيرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في نيجيريا بمثابة إشارة قوية إلى جدية الرئيس ترامب في جهوده لوقف سفك الدماء.
تشير التقديرات إلى أن أكثر من 16 مليون مسيحي نزحوا من ديارهم في جميع أنحاء المنطقة. وعلى الرغم من إطلاق سراح 130 طفلاً مختطفًا في نيجيريا هذا الأسبوع، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة مع اقتراب عيد الميلاد.
الاضطهاد المسيحي في أفريقيا جنوب الصحراء: تصاعد العنف وجهود مكافحته
أكدت منظمات حقوقية وتقارير إعلامية على أن الوضع في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يتدهور بسرعة بالنسبة للمسيحيين. وقالت هنريتا بليث، الرئيس التنفيذي لمنظمة “أبواب مفتوحة” (Open Doors) وهي منظمة خيرية مسيحية عالمية تدعم المسيحيين المضطهدين بسبب إيمانهم، إن “الهجوم المتصاعد من قبل المتطرفين الإسلاميين في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء هو كارثة ذات أبعاد عالمية تتكشف أمام أعيننا”.
وأضافت بليث أن العام الماضي شهد “تدفقًا مستمرًا من التقارير من أفريقيا جنوب الصحراء، بما في ذلك تقارير عن مجموعات متطرفة إسلامية تهاجم بشكل وحشي المجتمعات المسيحية العزلاء”. وأشارت إلى حملة “انهض يا أفريقيا” (Arise Africa) التي أطلقتها المنظمة لزيادة الوعي بهذه القضية.
نيجيريا: بؤرة العنف
تعتبر نيجيريا، الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في أفريقيا، من أكثر الدول خطورة على المسيحيين. تشير تقارير “أبواب مفتوحة” إلى وقوع “هجمات ووفيات مستمرة” في شمال ووسط نيجيريا، بما في ذلك حرق القرى واغتصاب واختطاف وإعدام المواطنين.
وقد أعرب البابا ليون الرابع عشر عن إدانته لعمليات القتل التي نسبت إلى قبائل الفولاني المسلمة في ولاية بينوي النيجيرية في يونيو الماضي، مشيرًا إلى مقتل حوالي 200 شخص “بشكل وحشي للغاية”.
كما شهدت أبرشية ماكوردي بقيادة الأسقف ويلفريد أناغبي، وهي منطقة مسيحية بشكل شبه كامل في وسط نيجيريا، تصاعدًا في الهجمات من قبل المتطرفين الإسلاميين من الفولاني. وقد شهد الأسقف أناغبي بنفسه على هذه الهجمات في جلسة استماع بالكونغرس في واشنطن في مارس، لكنه تلقى تهديدات وقتل بعض أعضاء رعيته بعد ذلك.
جمهورية الكونغو الديمقراطية: استهداف للمجتمعات المسيحية
على الرغم من أن جمهورية الكونغو الديمقراطية تعد من أكثر الدول المسيحية في أفريقيا (حيث يمثل المسيحيون 95٪ من السكان)، إلا أن المؤمنين يتعرضون للاستهداف من قبل الجماعات الجهادية. ففي فبراير، قامت جماعة مسلحة مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية، والمعروفة باسم “ADF”، باختطاف 70 مسيحيًا وإعدامهم على ما يبدو في كنيسة.
وفي سبتمبر، قُتل ما لا يقل عن 89 مسيحيًا في مذبحة خلال جنازة وفي الحقول المحيطة بها.
السودان: معاناة مضاعفة
يواجه المسيحيون في السودان، الذين يمثلون حوالي 4٪ من السكان، تحديات كبيرة بالإضافة إلى الأزمة الإنسانية العامة التي تعاني منها البلاد. فهم يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء ووحشية الحرب الأهلية المستمرة، بالإضافة إلى التمييز والاضطهاد من قبل الطرفين المتنازعين.
وقال أحد قادة الكنائس السودانية لـ “فوكس نيوز ديجيتال” إن المسيحيين في مدينة الفاشر بدارفور “يضطرون إلى تناول علف الحيوانات والأعشاب، ولا يمكن إدخال أي قمح أو أرز”.
الكاميرون وموزمبيق: فراغ أمني وتصاعد العنف
في الكاميرون، أدى الصراع الأهلي وضعف الحكم إلى فراغ أمني استغله المتطرفون. تشن جماعة بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا (ISWAP) غارات ليلية على القرى، مما أسفر عن مقتل واختطاف وتدمير الممتلكات، وتسبب في نزوح الآلاف.
وفي موزمبيق، يتسبب تنظيم الدولة الإسلامية في الفوضى في أقصى الشمال، مستهدفًا المجتمعات المسيحية وحرق الكنائس وتدمير المنازل. وقد تضاعف عدد القتلى هذا العام، مما أدى إلى نزوح الآلاف، لينضموا إلى أكثر من 1.3 مليون شخص نزحوا بالفعل.
وفي هجوم جماعي على قرية نابالا في أكتوبر، قُتل 20 مسيحيًا ونزح حوالي 2000 شخص، وفقًا لتقارير “أبواب مفتوحة”. وصف أحد القساوسة المحليين كيف تم ربط أربع شقيقات مسنات وإحراقهن حتى الموت داخل منزل.
وفيما يتعلق بالضربات الجوية الأخيرة في نيجيريا، قالت هنريتا بليث من “أبواب مفتوحة” إن “العملية العسكرية مثل هذه لن توفر حلاً سريعًا لعقود من العنف”. وشددت على ضرورة أن تسعى الحكومة النيجيرية إلى حلول دائمة تضمن السلام وحماية المدنيين والحرية الدينية للجميع.
واختتم الحاخام الأكبر وارن غولدشتاين قائلاً: “لا يمكن للغرب أن يفوز في هذه الحرب إلا إذا تمكن من إيجاد الوضوح الأخلاقي لتسميتها بأسمائها ورؤية جميع مسارح الحرب كجزء من نفس المعركة”.
من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في مراقبة الوضع في أفريقيا جنوب الصحراء عن كثب، مع التركيز على نيجيريا والسودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق والكاميرون. وستراقب أيضًا عن كثب جهود الحكومات المحلية لمكافحة التطرف وحماية المجتمعات المسيحية. يبقى الوضع غير مؤكد، ويتوقف على التطورات السياسية والأمنية في كل بلد.










