أصبح الخصوصية في الولايات المتحدة موضوع نقاش حاد في الآونة الأخيرة، خاصةً بعد محاولات من بعض المسؤولين التقليل من أهمية توثيق نشاطات جهات إنفاذ القانون. وتأتي هذه المحاولات في ظل تزايد عمليات الاعتقال والمداهمات التي تقوم بها وكالات حكومية مختلفة، مما دفع المواطنين إلى توثيق هذه الأنشطة بشكل غير مسبوق. يشهد هذا التحول في ديناميكية السلطة صعودًا في المراقبة المتبادلة بين المواطنين والحكومة.
تزايد توثيق نشاطات إنفاذ القانون والجدل حول الخصوصية
شهدت الولايات المتحدة، منذ بداية فترة ولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية، ارتفاعًا ملحوظًا في عمليات الاعتقال والمداهمات التي تنفذها وكالات مثل دائرة الهجرة والجمارك (ICE) وحماية الحدود والجمارك (CBP)، بالإضافة إلى سلطات أخرى مكلفة بتنفيذ إجراءات تتعلق بالهجرة. غالبًا ما يخفي عملاء هذه الوكالات هوياتهم بحجة حماية أنفسهم. في المقابل، رد السكان المحليون بتوثيق هذه الأنشطة بشكل مكثف، مستخدمين الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي.
ظهور مجموعات مراقبة الهجرة
ظهرت مجموعات مراقبة الهجرة في جميع أنحاء البلاد، وتسعى إلى توثيق وتتبع أنشطة وكالات إنفاذ القانون. كما ظهرت تطبيقات للهواتف الذكية تهدف إلى تتبع عمليات إنفاذ الهجرة، على الرغم من إزالتها لاحقًا من متاجر التطبيقات الخاصة بشركتي Apple و Google. تنتشر مقاطع الفيديو التي يوثق فيها المواطنون عمليات الاعتقال والاحتجاز على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
تاريخ طويل من توثيق نشاط الشرطة
على الرغم من أن هذا التوجه يبدو حديثًا، إلا أن توثيق نشاط الشرطة لمواجهة عدم التوازن في السلطة بين الشرطة والمواطنين هو تقليد أمريكي قديم. يشير آدم شوارتز، مدير التقاضي المتعلق بالخصوصية في مؤسسة الحدود الإلكترونية (EFF)، إلى أن هذا يعود على الأقل إلى مؤتمر الديمقراطيين عام 1968، عندما وثق الصحفيون أعمال شغب الشرطة واعتداءهم على المتظاهرين وكذبهم بشأن المسؤولية.
تضيف جينيفر غرانييك، المحامية في مشروع الخطاب والخصوصية والتكنولوجيا التابع للاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU)، أن هذه الممارسة قديمة جدًا، وربما تعود إلى قرون مضت. ومع ذلك، فإن الاختلاف الرئيسي اليوم هو أن التكنولوجيا جعلت الجميع يمتلكون كاميرا فيديو في متناول أيديهم، مما يسهل نشر التسجيلات للجمهور.
حادثة رودني كينغ نقطة تحول
دخل توثيق الشرطة من قبل غير الصحفيين التيار الرئيسي بعد أن قام أحد المارة، جورج هوليداي، بتصوير فيديو لوكلاء شرطة لوس أنجلوس يعتدون بوحشية على رودني كينغ، وهو رجل أسود، في مارس 1991، وشاركه مع وسائل الإعلام المحلية. أثار هذا الفيديو جدلاً وطنيًا حول العرق والشرطة في أمريكا الحديثة.
الجدل القانوني حول “التشهير” والخصوصية
أثارت محاولات بعض المسؤولين تصوير توثيق نشاط الشرطة على أنه “تشهير” أو “عنف” جدلاً قانونيًا. يقول خبراء قانونيون إن هذه الادعاءات غير صحيحة. ويرون أن الكشف عن هويات موظفي الخدمة العامة لا يشكل تشهيرًا، خاصةً عندما يتعلق الأمر بأنشطة يتم تنفيذها في الأماكن العامة.
بالإضافة إلى ذلك، يرى هؤلاء الخبراء أن الادعاء بأن الكشف عن الهويات يشكل “عنفًا” هو تفسير واسع جدًا وغير مبرر. ويركز النقاش على التوازن بين حق الجمهور في معرفة ما تفعله الحكومة وحق الأفراد في الخصوصية.
تأثير التكنولوجيا على المراقبة المتبادلة
أدت التكنولوجيا إلى تغيير ديناميكية السلطة، حيث أصبح المواطنون قادرين على مراقبة الحكومة بشكل لم يسبق له مثيل. في المقابل، تمتلك الحكومة أيضًا أدوات مراقبة متطورة. هذا التحول أدى إلى ما يسمى بـ “المراقبة المتبادلة”، حيث يراقب كل من المواطنين والحكومة بعضهم البعض.
تثير هذه الظاهرة تساؤلات حول حدود الخصوصية في العصر الرقمي، وحقوق المواطنين في توثيق نشاط الحكومة، ومسؤولية الحكومة في الشفافية والمساءلة.
المستقبل والخطوات القادمة
من المتوقع أن يستمر الجدل حول الخصوصية وتوثيق نشاط الشرطة في الولايات المتحدة. من المرجح أن تشهد المحاكم قضايا جديدة تختبر حدود الحقوق الدستورية لكل من المواطنين والحكومة. كما من المتوقع أن تستمر التكنولوجيا في لعب دور رئيسي في تشكيل هذه الديناميكية، مع ظهور أدوات جديدة للمراقبة والتوثيق.
من المهم مراقبة التطورات القانونية والتكنولوجية المتعلقة بهذا الموضوع، بالإضافة إلى ردود فعل الحكومة والمواطنين. لا يزال من غير الواضح كيف ستتطور هذه القضية في المستقبل، ولكن من المؤكد أنها ستظل قضية رئيسية في النقاش العام حول الحريات المدنية والمساءلة الحكومية.










