من المتوقع أن يشهد الاقتصاد المغربي نمواً ملحوظاً في عام 2025، مدفوعاً بالاستثمارات الحكومية الضخمة، والتحسن في القطاع الزراعي، والأداء القوي لقطاع السياحة، بالإضافة إلى الاستعدادات المكثفة لاستضافة فعاليات رياضية كبرى. ويُتوقع أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 5% هذا العام، وهو الأعلى منذ أربع سنوات، مما يعزز التفاؤل بشأن مستقبل الاقتصاد المغربي.
هذا النمو يأتي في أعقاب عام شهد فيه المغرب إنجازات رياضية بارزة، مثل كأس العرب فيفا في قطر، وكسر حلقة سنوات من الجفاف. كما شهدت بورصة الدار البيضاء تدفقاً غير مسبوق من الاستثمارات، مما يشير إلى ثقة المستثمرين في الاقتصاد المغربي وقدرته على النمو والازدهار.
استثمار حكومي غير مسبوق يدعم الاقتصاد المغربي
تستعد المملكة لاستضافة كأس أمم أفريقيا وتنطلق في تنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة تبلغ قيمتها أكثر من 100 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة. تشمل هذه المشاريع تأهيل الملاعب، وتوسعة المطارات، وتمديد خطوط السكك الحديدية والطرق السريعة، بهدف تحسين البنية التحتية للبلاد وجذب المزيد من الاستثمارات.
يُعد بناء ملعب جديد في ضواحي الدار البيضاء، بسعة استيعابية تبلغ حوالي 115 ألف متفرج، من أبرز هذه المشاريع. ومن المتوقع أن يكون هذا الاستثمار الرياضي محفزاً للنمو الاقتصادي في العام المقبل، حيث أشار بنك المغرب المركزي إلى أن الاقتصاد سيشهد نمواً بنسبة 4.5% خلال السنتين القادمتين، مدفوعاً بشكل أساسي بالديناميكية الاستثمارية.
تخطط الحكومة لإنفاق أكثر من 380 مليار درهم (حوالي 41.5 مليار دولار)، بزيادة قدرها 12% مقارنة بالعام السابق، وهو ما يمثل 21% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ البلاد. سيتم ضخ هذه الأموال من خلال القطاعات الحكومية والشركات التابعة لها، بالإضافة إلى الصندوق السيادي محمد السادس للاستثمار.
أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، أن هذه الاستثمارات ستركز بشكل خاص على مشاريع البنية التحتية، وخاصة قطاع النقل، بما في ذلك توسعة المطارات وتمديد خطوط السكك الحديدية وتسريع إنجاز الموانئ الشمالية والجنوبية. وتهدف الحكومة إلى مضاعفة الطاقة الاستيعابية للمطارات إلى 80 مليون مسافر بحلول عام 2030، بتكلفة تقدر بـ 4.2 مليار دولار.
بالتوازي مع ذلك، يشهد قطاع السياحة نمواً ملحوظاً، حيث احتلت المغرب المرتبة الأولى في أفريقيا باستقبال 17.4 مليون سائح العام الماضي. وتتوقع الحكومة زيادة هذا الرقم إلى 26 مليون سائح بحلول نهاية العقد. تستفيد شركات البناء المحلية بشكل كبير من هذه الديناميكية، حيث فازت بمعظم صفقات البنية التحتية على الرغم من المنافسة الشديدة من الشركات الدولية.
تحديات تواجه النمو الاقتصادي
على الرغم من التوقعات الإيجابية، لا يزال الاقتصاد المغربي يواجه بعض التحديات، وعلى رأسها معالجة بطالة الشباب التي تجاوزت 13%، وارتفعت في صفوف الشباب إلى 38% في الربع الثالث من العام الحالي، وفقاً لبيانات المندوبية السامية للتخطيط.
يرى الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، يوسف كراوي، أن “أكبر تحدٍ يواجهه الاقتصاد المغربي هو رفع مستوى النمو الاقتصادي، وإحداث تحول في القيمة المضافة لقطاعي الصناعة والخدمات، وتقليل الاعتماد على القطاع الزراعي المتأثر بمواسم الجفاف”.
كما أن سنوات الجفاف الأخيرة، والتي تعتبر الأطول في تاريخ المغرب الحديث، أثرت بشكل كبير على النمو الاقتصادي، نظراً لارتباط 40% من السكان بأنشطة فلاحية في المناطق الريفية. ويشير كراوي إلى أهمية الانتقال نحو تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 8% من خلال تحفيز إنتاج قيمة مضافة عالية في القطاعات غير الزراعية، بهدف امتصاص البطالة.
تضخم تحت السيطرة وسياسة نقدية حذرة
على الرغم من تسجيل انكماش في أسعار المستهلكين للمرة الأولى منذ ديسمبر 2020، بفضل تراجع أسعار المواد الغذائية، اختار بنك المغرب المركزي الحفاظ على سعر الفائدة دون تغيير عند 2.25%، في إطار سياسة نقدية حذرة. ويأتي هذا القرار على الرغم من وجود متطلبات لدعم دورة الاستثمار في المغرب.
يُتوقع أن يبلغ معدل التضخم بنهاية العام 0.8%، وأن يرتفع قليلاً إلى 1.3% العام المقبل، وهي نسب منخفضة نسبياً مقارنة بالسنوات الماضية. وتشير التقديرات إلى أن الحكومة قد تلجأ إلى آليات تمويل مبتكرة، مثل بيع الأصول العقارية، لتمويل مشاريع الاستعداد لكأس العالم 2030.
في الختام، يبدو الاقتصاد المغربي على أعتاب فترة نمو وازدهار، مدفوعاً بالاستثمارات الحكومية الضخمة والتحسن في القطاعات الرئيسية. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات يجب معالجتها، مثل بطالة الشباب وتنويع الاقتصاد. من المتوقع أن يشهد العام 2026 جني ثمار هذه الاستثمارات، ولكن يبقى من الضروري مراقبة تطورات الأوضاع الاقتصادية العالمية وتأثيرها على المغرب.










